ما تمر به المنطقة من عدوان إسرائيلي لم يكن ليخطر على البال بأنه سيكون بهذا الحجم، وأن نتائجه كارثية على فلسطين ولبنان، وأن إسرائيل سوف تحقق في عام واحد ما عجزت عن تحقيقه في حروبها خلال ثمانين عاماً تقريباً.
ولم تكن انتصارات إسرائيل لتتحقق لولا وقوف أمريكا والغرب معها، عسكرياً وسياسياً، ولولا أن أذرعة إيران سلَّمت للعدو الإسرائيلي (الخيط والمخيط) وخاصة حزب الله الذي احتفظ بعتاده العسكري في مخازنه، دون أن يستخدمه في ضرب إسرائيل خلال انشغال تل أبيب بحربها في غزة.
وعندما أصبحت حماس بلا سلاح تقريباً، ومن غير قوة، ومحاصرة في مساحات صغيرة في قطاع غزة، تفرَّغت إسرائيل لحزب الله، وأوجعته بما لم يتوقعه قادة الحزب، فكان أن قتلت الصف الأول والثاني من قيادته، وفي مقدمتهم أمينه العام حسن نصر الله، ودمرت مواقع تخزين أسلحته وعتاده العسكري.
حزب الله مع هذه الضربات الإسرائيلية، أصبح غير قادر على التصدي لجيش إسرائيل، بعد أن تم إنهاكه، والقضاء على قادته، وملاحقتهم في ملاجئهم، وأينما فروا من موقع إلى آخر، وكانوا أمام مصير غير مجهول، حيث تتعقبهم إسرائيل إلى أن تجهز عليهم.
المشكلة أن حزب الله جرَّ لبنان واللبنانيين ليكونوا وقوداً للهجمات الإسرائيلية، دون أي تفريق بين من هو مدني أو من ميليشيات الحزب، وبين من هو بريء ومن هو مذنب حسب التصنيف الإسرائيلي، فرأينا عشرات الآلاف بين قتيل وجريح ومهجر ليسوا كلهم ينتمون إلى حزب الله، وشاهدنا الدمار الهائل الذي أصاب لبنان.
كان حزب الله خارج سيطرة الدولة، وكان يصف نفسه بأنه حزب ممانعة ومقاومة ودفاع عن لبنان، وكان اللبنانيون يرون غير ذلك، ولكنهم لا يملكون القدرة على المواجهة والرفض حتى ولو كان بالكلام أمام سطوة حزب الله وجبروته.
هذه أيام سوداء على الحزب وعلى لبنان واللبنانيين، ويمكن القول بأن إيران وحزب الله يتحمَّلان المسؤولية في ذلك، ولكن البناء المؤسساتي للدولة اللبنانية شريك فيما وصل إليه الوضع، فمجلس النواب هناك من أعضائه من يعطِّل أي قرار لا يصب في توجه الحزب وأيدلوجيته، ومثله مجلس الوزراء، فتعطَّل بذلك انتخاب رئيس للبلاد، وتشكيل حكومة تتولى إدارة شؤون البلاد.
مشهد الأوضاع في لبنان، هو الآن كما هو في قطاع غزة، مشهد حزين ومؤلم، وربما تسارعت الأحداث، وأزفت الضربة الإسرائيلية المتوقعة لإيران، فتكون إيران قد دفعت بذلك الثمن غالياً في تبنيها لحزب الله في لبنان، والحشد الشعبي في العراق، والحوثي في اليمن، والعناصر المدعومة منها في سوريا.
حزب الله في لبنان لا يريد الآن أكثر من وقف لإطلاق النار، مستسلماً، وقابلاً بما تمليه نتائج الحرب، بلا شروط، ولكن الوقت الآن غير الوقت قبل 7 أكتوبر من العام الماضي، وإسرائيل الآن ومعها أمريكا والغرب لها حسابات أخرى، بعد أن فعلت الحرب فعلتها، وقضت على أقوى أذرعة إيران أو كادت على مدى أسبوعين.