دارت في دائرتي جنوب لبنان الثانية والثالثة، حيث الغالبية الشيعية، معركة أحجام بين «حزب الله» وحركة «أمل» التي يرأسها رئيس البرلمان نبيه بري، داخل اللائحة الواحدة التي تجمعهما كحليفين «ثابتين» في كل انتخابات تخاض في مناطق الجنوب.
فالحزب والحركة يتقاسمان عادة كل المناصب الشيعية الممكنة، في الحكومة والبرلمان والبلديات والإدارة، بما يجعلها معركة غير متكافئة مع العناصر «المتمردة» الخارجة عن طوع الحليفين الاستراتيجيين. لكن معركة الانتخابات النيابية تأخذ عادة بعدا مختلفا، يتعلق بقوة ونفوذ كل طرف منهما داخل البيت الشيعي، وكل ذلك يترجم من خلال «الصوت التفضيلي»، وأي من الطرفين سيحوز أصواتا تفضيلية أكثر، باعتبار أن أنصار الطرفين يصوتان للائحة كاملة، فيما يجري التمييز بينهما من خلال الصوت التفضيلي.
ويقول حسن، أحد مناصري «أمل» في منطقة النبطية (دائرة الجنوب الثالثة)، إنه لن يعطي صوته التفضيلي لابن المدينة ناصر جابر، بل لـ«أبو حسن قبيسي»، في إشارة للنائب هاني قبيسي الذي يتنافس على الأصوات التفضيلية مع رئيس كتلة نواب «حزب الله» محمد رعد. ويشير إلى أنه رغم أن جابر، مرشح الرئيس بري، إلا أنه فائز أياً كانت الأصوات التفضيلية التي سوف يحصل عليها و«نحن نريد أن نثبت وجودنا».
وتعتبر الدائرتان معقلا أساسيا لـ«الثنائي الشيعي»، وهما تضمان معا نحو 800 ألف ناخب، نحو 500 ألف منهم في الدائرة الثالثة التي تضم قرى النبطية وبنت جبيل ذات الثقل الشيعي، ومرجعيون التي يوجد فيها تأثير مسيحي ضعيف، وحاصبيا ذات الغالبية الدرزية التائهة في بحر من الأصوات الشيعية.
وسعى «الثنائي»، الذي يختلف اللبنانيون على تسميته، بين موالٍ يقول «الثنائي الوطني» ومعارض يسميه «الثنائي الطائفي» ومحايد يطلق عليه تسمية «الثنائي الشيعي»، إلى حشد الناخبين ورفع نسبة التصويت لمنع أي خروقات للوائحه، والحصول على المقاعد الـ18 التي تضمها الدائرتان، ومن بينها مقعدان مسيحيان ومقعد سني وآخر درزي.
ورغم حركة الاعتراض التي واجهها «الثنائي» في بيئته الحاضنة، إلا أن التحشيد الذي قام به الطرفان، أثمر عودة كثيرين إلى «بيت الطاعة» الطائفي. ويقول محمد، الرجل السبعيني، وهو يقترع في إحدى دوائر النبطية بأنه كان مصرا على عدم التصويت، لكنه سمع أحد المرشحين يقول إنه «يريد تحرير الإمام الحسين من الشيعة»، فقرر النزول للاقتراع. ورغم أن كلام المرشح أتى في سياق تغريدة قديمة، نبشها أنصار الحزب وبدأوا تداولها، وتحريفها، إلا أنها كان لها فعل تجييشي قوي، خصوصاً أن أمين عام «حزب الله» حسن نصرالله خصص جزءا من خطابه الأخير للحديث عنها، واصفا المرشح بـ«الأجدب» أي الأبله، لتصبح هذه الكلمة وسماً على «توتير».
أما التحشيد المقابل، فكان في توزيع ملايين الليترات من البنزين على المناصرين من أجل التوجه إلى الجنوب للاقتراع. وقد خصص لكل سيارة نحو 40 ليترا من الوقود يزيد ثمنها عن مليون ليرة لبنانية، ساهمت في تحريك عجلة الاقتراع جنوبا.
وفيما كانت الصورة في بعض دوائر الجنوب طبيعية، خصوصاً تلك ذات الغالبية المسيحية، إلا أنه في المناطق ذات الثقل الشيعي، كان واضحا تسيد «الثنائي» للساحة، سواء من جهة الشعارات والمواكب السيارة، أو من خلال غياب المندوبين للوائح المعارضة عن أقلام الاقتراع بشكل لافت، بحيث يغيب عن الساحة أي اعتراض ممكن على مجريات العملية التي جرت «داخل العائلة» فالمندوبون وبعض رؤساء الأقلام كانوا من طرف واحد وهو ما يخشى أن يترجم في نتائج الانتخابات كما يقول أحد المرشحين، شاكيا من رفض الكثيرين من القيام بدور المندوب له، ومن قبل بذلك طلب ثمنا مرتفعا «بدلا للإهانات التي سيتعرض لها».
وهكذا لم يعد أمام المعترضين، إلا المقاطعة، كحال أحمد، صاحب متجر لبيع الورود فتح متجره رغم الإقفال العام. ويقول بسخرية لدى سؤاله عن سبب عدم رغبته بالاقتراع: «أي انتخابات؟ انتخابات الرئاسة، أم انتخاب الأمين العام للأمم المتحدة؟». ويضيف: «نحن أهل الجنوب كنا أفضل حالا من أهل البقاع والشمال، نلنا نحو 10 في المائة من المشاريع والخدمات، فيما لم ينالوا شيئا».
الشرق الأوسط