الشيخ والجنرال والنهر

لطالما عاش اللبنانيون أسرى معادلات وتركيبات سياسية خلاقة ومبدعة، طبعاً بالمعنى السيئ للكلمة، بدءاً من الميثاق الوطني إلى اتفاق القاهرة، مروراً بالترويكا ومعادلة "سين سين"، وصولاً إلى معادلة "الجيش والشعب والمقاومة"، التي هددت الكيان اللبناني كفكرة وككيان. تلك المعادلة "الذهبية" التي روّج لها المحور الإيراني لعقود، أدت إلى توريط لبنان والدولة اللبنانية في أتون الصراعات الإقليمية، وصولاً إلى ما يُسمى "النصر الإلهي"، كما يزعم الأمين العام الجديد لـ"حزب الله" الشيخ نعيم قاسم وما تبقى من حزبه.

على أرض الواقع، المعادلة الذهبية لم تسقط فقط، بل تحطمت كما تحطمت أسطورة "حزب الله" وصورة أمينه العام الراحل حسن نصرالله، الذي حاول "الحزب" تصويره كأيقونة دينية عبر استعراضات إعلامية لا ترتقي إلى قيمة نصرالله السياسية أو حتى "الجهادية". محاولة تحويله إلى قديس ربما أقنعت البعض في بيئته الحاضنة، لكنها لم تنجح خارجها.

ما يحكم لبنان اليوم هو واقع يرفض اللبنانيون وطبقتهم الحاكمة الفاسدة الاعتراف به، المعادلة الماسية الجديدة، التي يمكن تلخيصها بثلاثة عناصر: الشيخ (نعيم قاسم)، الجنرال (الأميركي جاسبر جيفرز)، والنهر (الليطاني).

في إحدى إطلالاته، هزأ حسن نصرالله بالمطلب الإسرائيلي بانسحاب "الحزب" من جنوب الليطاني، وصرح بأن "نقل نهر الليطاني إلى الحدود مع إسرائيل أسهل من إرجاع "الحزب" شماله، وأن جبهة لبنان لن تتوقف قبل وقف النار في غزة". لكن الأيام أثبتت أن هذا التحدي كان مجرد خطاب، وأن نصرالله دفع حياته ثمناً لمغامرته في دعم غزة.

النصر الفعلي لم يكن "إلهيّاً"، بل جاء بفضل جهود المبعوث الأميركي آموس هوكستين، الذي بمساعدة رئيس مجلس النواب نبيه بري والطبقة الحاكمة، قدّم لحكومة بنيامين نتنياهو ما طالبت به: منطقة منزوعة السلاح جنوب الليطاني، تحت رقابة مباشرة، وهي شروط قبلها الشيخ نعيم قاسم. مشهد راجمات "حزب الله" وهي تنسحب شمال الليطاني أمام أنظار العامة كان خير دليل على تراجع "الحزب" بل هزيمته.

نعيم قاسم يستطيع ادّعاء "النصر الإلهي"، لكنه لا يستطيع إخفاء أن الاتفاق الذي وقّع عليه بأوامر إيرانية هو "1701 Plus"، هذا الاتفاق لا يمنح إسرائيل فقط حق مراقبة المنطقة، بل يشرعن الضربات الإسرائيلية داخل لبنان وسوريا، وفعلياً يسلب الدولة اللبنانية أو "حزب الله" أي إمكانية للادّعاء بأن هذه الضربات خروقات لوقف إطلاق النار.

الجزء الثاني من المعادلة الماسية هو الجنرال الأميركي جاسبر جيفرز، الذي سيتولى رئاسة اللجنة الخماسية المشرفة على تنفيذ القرار 1701. من وجهة نظر "حزب الله"، يمكن اعتباره "المفوض السامي الأميركي"، لكنه يأتي هذه المرة بمباركة "الحزب" نفسه وأمينه العام الشيخ نعيم.

أما النهر، فللسخرية، لم يتم نقله إلى الحدود الإسرائيلية، لكنه بات رمزاً لحدود جديدة داخل سوريا. الصفقة التي رعاها هوكستين منحت إسرائيل حرية ضرب أي هدف ترى فيه خطراً، سواء في لبنان أو خارجه، مما يجعل كل سلاح يهدد إسرائيل هدفاً مشروعاً.

قبول "حزب الله" الانسحاب من جنوب الليطاني هو اعتراف ضمني بأن سلاحه بات عبئاً أو الأدق خطراً على حامليه وعلى الشعب اللبناني. جمهور "الحزب" قد يحتفل بمرقد السيد حسن، وقد يبتهج بعودة "القرض الحسن" لإيفاء وعوده المالية، لكن الحقيقة المرة هي أن القرض قد يُسدد، بينما السيد حسن رحل، ومشروع "الحزب" وصل إلى نهاية مظلمة، واقع لن يستطيع عرض الأضواء أو دفع الأموال أن يغيّره.

نداء الوطن

يقرأون الآن