يتحدثون في حركة حماس عن انتصارات على إسرائيل في حرب الإبادة، ويقول حزب الله إنه حقق هو الآخر انتصاراً على إسرائيل في حربهما معاً، ومثلهم إيران والحوثيون، فهم ينكرون أنهم تلقوا ما أضعفهم من الضربات، دون أن يكون ردهم بنفس القدر من التأثير.
هذا التسطيح في التعامل مع نتائج حروب العدو الإسرائيلي، هو بمثابة انتصارات وهمية لا علاقة لها بمجريات الحروب، ولا صلة لها بنتائج العدوان الإسرائيلي، وهي أبعد ما تكون عن تشخيص الواقع الذي انتهت به الحروب من حقائق ووقائع، كما هي موثَّقة بالصوت والصورة.
كيف تكون حماس في وضع المنتصر وهي التي قتل كل قادتها داخل غزة، ومن بقي منهم في لبنان وإيران تم ملاحقتهم وقتلهم، وأين هو هذا الانتصار وقد قُتل أو أُصيب أو فُقد أو جُرح عشرات الآلاف من الفلسطينيين، بل كيف نصدِّق بانتصار حماس، وقد احتلت إسرائيل كل غزة بعد تهديم 80 % من القطاع، ولن تخرج بقوة سلاح حماس والجهاد، وإنما باتفاق تم، مع ترتيبات لن تعود حماس إلى ما كانت عليه قبل الحرب.
وكما هي حماس، فها هو حزب الله يدّعي بانتصار حققه ضد العدوان الإسرائيلي على لبنان، مع أن إسرائيل قتلت كل زعماء الحزب، بدءاً من الأمين العام، واحتلت الجنوب، وهدمت وأزالت مبانيه، وقضت على مصادر قوته من السلاح، ومنعت أي إمدادات مستقبلية من إيران عبر سوريا والبحر، وأصبح الحزب الآن في وضع اضطر إلى قبول اتفاق لن يعود إلى ما كان عليه.
أما إيران التي تتحدث عن تصديها لهجمات إسرائيل، وعدوانها الذي استهدف مواقع عسكرية، ومناطق مهمة، وأكملتها بقتل زعيم حماس الذي كان يقضي أياماً في طهران، فلم نر رداً يساوي مقتل قادة لها وضيف عندها بعدوان إسرائيلي معلن.
ويستمر وهم الانتصارات في عقول من استمرؤوا أن يكذبوا ويكذبوا حتى يصدقوا أكاذيبهم، كالحوثيين الذين يطلقون مسيِّرات وصواريخ على إسرائيل، فلا تنال شيئاً موجعاً ومؤثِّراً على مواقع الإسرائيليين العسكرية.
نحن ضد إسرائيل، ضد أطماعها واحتلالها، وعدوانها، وكنا نتمنى لو أنها هُزمت في هذه المعارك أو بعضها، غير أن الواقع يقول غير هذا، فقد حيَّدت إيران، واحتلت قطاع غزة، والجنوب اللبناني، ووجهت ضربات موجعة لكل من إيران والحوثيين، دون أن تُحاسب على عدم التزامها بقواعد الاشتباكات، أو يتم إلزامها بالتوقف عن حروبها المدمرة.
الانتصارات تأتي عند الاعتراف بالهزيمة، حتى ولو كانت من عدو مجرم كإسرائيل، والانتصارات تتحقق بمعالجة أسباب الهزيمة، والتحضير للانتصار بالأفعال لا بالأقوال، وبالتخطيط لا بالمغامرات غير المحسوبة نتائجها.
ما سُمي بـ(طوفان الأقصى) هذه نتائجه، مزيد من الأسرى الفلسطينيين واللبنانيين في سجون إسرائيل، تدمير غزة وجنوب لبنان، قتل قادة حماس وحزب الله، وقادة من إيران، واحتلال غزة وجنوب لبنان، وآلاف القتلى والمصابين والمهجّرين والمفقودين في لبنان وقطاع غزة، وعودة الأسرى لدى حماس إلى أهاليهم في إسرائيل، مقابل عدد محدود من الأسرى الفلسطينيين لدى إسرائيل.
نعم، كنا نتمنى أن نحقق ولو انتصاراً واحداً في إحدى الجبهات، فإسرائيل معتدية وعدوة ومحتلة، ومجرمة، ولكن الانتصارات لا تكون بالكلام، ولا تأتي بالادّعاء، ولا بتخدير الناس بمعلومات خاطئة، وكلام غير صحيح، فهذه ثقافة كان يجب أن نتخلَّص منها منذ حرب عام 1967م مع إسرائيل، حين كشفت لنا نتائجها ما يشيب له شعر الرأس، مع ما كان يروَّج لنا من معلومات ثبت عدم صحتها.
الجزيرة السعودية