خلف الكواليس يطبخ ملف الرئاسة الاولى بهدوء وبعيداً عن المزايدات السياسية و»هوبرات» نواب «التغيير» تحت قبة البرلمان. بالتشاور مع البطريركية المارونية تدخل جهات سياسية في حوار موسع حول انتخابات رئاسة الجمهورية . يجرى الإعداد لسلة أسماء لمرشحين محتملين لا تكون مستفزة لأي جهة محلية. قبيل ثلاثة أيام من نهاية عهد رئيس الجمهورية ميشال عون، مني الباحثون عن تشكيل حكومة بخيبة كبرى. التفاؤل الذي بنيت عليه آمال الأسبوع الماضي لم يكمل مساره لاصطدامه بتمسك كل طرف بسقف مطالبه. ورغم ذلك لا تزال تجد في الأروقة من يراهن على ربع الساعة الأخير. لكن بات واضحاً أن الحكومة لم تعد مطلباً دولياً. الدولتان الأساسيتان أي فرنسا وأميركا لا تزالان على موقفهما من أنّ تشكيل حكومة جديدة أو تطعيم الحالية بأسماء جديدة سيؤخران انتخاب رئيس جديد للجمهورية ويطيلان أمد الفراغ الرئاسي. الأهم هو انتخاب رئيس للجمهورية.
داخلياً بات «التيار الوطني الحر» وعلى خلاف «حزب الله» أقل حماسة لحكومة جديدة. مردود أي حكومة قد لا يكون موازياً لمردود التسوية المتعلقة بانتخاب رئيس الجمهورية. سقف أي تغيير حكومي هو تبديل عدد من الوزراء لن يزيد على ثلاثة، بينما للتيار حالياً ستة وزراء. الرئاسة باتت هي الأهم .
أسماء قيد التداول وأخرى استبعدت. على خط سليمان فرنجية، لا يزال «حزب الله» متحفظاً في الإعلان عن تبني ترشيحه. في المعلومات أن رئيس «تيار المردة» طلب من «حزب الله» التريث لشهرين أو أكثر حيث يحتمل أن تطرأ تطورات إقليمية ودولية تخدم ترشيحه. يتحرك فرنجية رئاسياً، لم يلمس تحفظاً أميركياً على ترشحه ولا فرنسياً لكن لا تزال أمامه عقبتان أساسيتان هما موقف المملكة السعودية وهو ما يربطه بتغيّر العوامل الخارجية ورفض رئيس «التيار» جبران باسيل لتبني ترشيحه وهذه معضلة لا يجد لها «حزب الله» حلاً.
ليست المرة الأولى التي يبلّغ فيها باسيل «حزب الله» صراحة أن لا إمكانية لانتخاب فرنجية، اللهم الإ في حال حصول أعجوبة ما . والقرار ذاته تبلغه البطريرك الراعي أيضاً. فكرة الحوار حول شخصية المرشح الرئاسي قيد التبلور في بكركي التي تعمل عليها بصمت. من ناحية «التيار» فإن الأسماء المؤهلة للرئاسة كثيرة ولا تنحصر بشخص أو اثنين باتا خارج المعادلة الرئاسية حسب ظنه، أي سليمان فرنجية وقائد الجيش جوزف عون. ترتبط حظوظ الأول بموافقة باسيل التي لم تتوافر بعد بينما من رابع المستحيلات اتفاقه مع «القوات اللبنانية»، أما الثاني فأكثر من جهة داخلية باتت مستعدة للتصدي لتكرار تجربة العسكر في الحكم وما يحتاجه ذلك من تعديل غير ممكن للدستور.
ينتظر «حزب الله» نهاية عهد ميشال عون للشروع في البحث الجدي بملف الرئاسة. لم يقطع الأمل في نجاح محاولاته مع باسيل. من دونه يصعب تأمين الأكثرية الناخبة، ومعه ومن دون نواب الحزب الإشتراكي يصعب تأمين النصاب القانوني لانعقاد جلسة الإنتخاب. تدوير الزوايا نيابياً مطلوب وتحديداً مع النواب السنة. قد لا يجد «حزب الله» مفراً من الاتفاق مع السعودية على الرئاسة الثالثة لتمرير الاستحقاق الرئاسي. خطه الأحمر هنا هو خيار الرئيس فؤاد السنيورة على وجه الخصوص فيما الأسماء المتبقية عرضة للنقاش. تسهّل المملكة انتخاب الرئيس من خلال النواب السنة فيسهل «حزب الله» من جانبه انتخاب رئيس حكومة.
وفي حال فشل مثل هذا السيناريو، سيكون انتخاب الرئيس مستبعداً في ظل مجلس نيابي تعطيلي غير قادر على أن يتفق على رئيس لوجود تباعد في الأفكار والطروحات حتى داخل من يفترض أنهم فريق واحد أي «التغييريون». في الصالونات السياسية وبين النواب أنفسهم تجد من يتحدث عن استحالة استمرار مثل هذا المجلس حتى نهاية ولايته. تركيبة المجلس النيابي تعزز فكرة الفراغ الرئاسي.
قبيل انتخاب ميشال عون استمر الفراغ الرئاسي لأكثر من عامين ونصف، فكيف بالحري في ظل مجلس مفكك كالمجلس الحالي. فماذا لو طال الفراغ الرئاسي حتى نهاية المجلس النيابي الحالي. ومن انتظر عامين ونصفاً يمكن ان ينتظر أكثر!
ساعات تفصل عن الفراغ الرئاسي. نهاية عهد عون تشكل البداية الدولية للتعاطي الجدي مع لبنان. دول القرار المعنية بالإستحقاق بدأت التفكير جدياً بالتسوية التي تسد الفراغ في بعبدا. الرئيس العتيد لن ينتخب الّا بموجب تسوية وسيكون رئيساً غير مستفز، مؤهّلاً لإدارة الأزمة، الخيارات كثيرة لكنّ المؤهلين قلة، واحد منهم يشكل نقطة تقاطع بين الكل. دول كثيرة مستعدة للخوض في التسوية عربية ودولية لا سيما بعد نجاح تجربة اتفاق الترسيم.
غادة حلاوي - نداء الوطن