يشكل احتفاظ إسرائيل بـ5 مواقع داخل الأراضي اللبنانية إحراجاً للولايات المتحدة الأميركية، بخلاف تعهدها بانسحاب إسرائيل الشامل من الجنوب التزاماً منها بتطبيق الاتفاق الذي وضعته بالشراكة مع فرنسا لتثبيت وقف إطلاق النار تمهيداً للشروع في تنفيذ القرار 1701، ويشكل نكسة لحكومة الرئيس نواف سلام وهي تستعد للمثول أمام البرلمان طلباً لنيل ثقته، وهذا ما قاله رئيس المجلس النيابي، نبيه بري، لرئيس لجنة المراقبة لتطبيقه، الجنرال الأميركي جاسبر جيفرز، عندما التقاه عشية انتهاء مهلة التمديد الثاني للهدنة.
ومع أن فرنسا تدعو للانسحاب الإسرائيلي الشامل من الجنوب وتتمايز في موقفها عن الولايات المتحدة، فإن الأخيرة ما زالت تلوذ بالصمت ولا تحرك ساكناً لإلزام إسرائيل بالانسحاب الشامل من الجنوب، وتكتفي بالدعوة لإنهاء الأعمال العدائية، من دون أن تأتي على ذكر أن احتفاظ إسرائيل بهذه المواقع يشكل خرقاً للخط الأزرق، ولم يكن أمام رؤساء؛ الجمهورية جوزيف عون، والمجلس النيابي نبيه بري، والحكومة نواف سلام في اجتماعهم في بعبدا، سوى التأكيد على أن احتفاظ إسرائيل بهذه المواقع ما هو إلا احتلال لجزء من الأراضي اللبنانية وفق ما ورد في "الشرق الأوسط".
بطاقة حمراء أميركية؟
وعلى الرغم من أن الرؤساء الثلاثة أجمعوا على اعتماد الحل الدبلوماسي بالتوجه إلى مجلس الأمن الدولي لمطالبته بالضغط على إسرائيل لإلزامها الانسحاب من هذه المواقع امتثالاً للقرار 1701، فإن الحكومة لن تدعوه للانعقاد، في حال حسمت أمرها وقررت تقديم شكوى ضد إسرائيل، ما لم تضمن تأييد الولايات المتحدة بعدم رفعها البطاقة الحمراء لمنعه من التصويت بالإجماع تأييداً للشكوى اللبنانية، وبالتالي فإن تقديم الشكوى يبقى عالقاً على إعطاء فرصة للضغوط الدولية، بغطاء أميركي، تدفع باتجاه استكمال انسحابها من جنوب لبنان.
وفي هذا السياق يسأل مرجع سياسي، فضّل عدم ذكر اسمه، الولايات المتحدة عن الأسباب التي تملي عليها الانصياع على بياض لصالح إسرائيل بدلاً من الضغط عليها للانسحاب من هذه المواقع. ويقول لـ"الشرق الأوسط": أين هي من التزامها بتطبيق وقف إطلاق النار وتأييدها للبنان، وهو يدخل في مرحلة سياسية جديدة آخذاً بالتحولات التي شهدتها المنطقة وأرخت بظلالها على لبنان، لإخراجه من التأزم؟
كما يسأل المرجع السياسي كيف تدّعي الولايات المتحدة تأييدها للعهد الجديد بانتخاب العماد عون رئيساً للجمهورية، وهي تأخذ منه بدلاً من أن تعطيه بتزويده جرعة دعم تتيح له الانتقال بلبنان من التأزم إلى التعافي، وتعبّد الطريق أمام الحكومة العتيدة لبسط سلطة الدولة اللبنانية على كامل أراضيها على قاعدة احتكارها وحدها للسلاح، كما تعهد عون في خطاب القسم والتزم بتطبيق القرار1701 بكل مندرجاته، مع أن تطبيقه لا يقتصر على لبنان بل يشمل إسرائيل المدعوة للانسحاب من أراضيه؟
ذرائع لحزب الله
ويؤكد أن احتفاظ إسرائيل بهذه المواقع يعطي الذرائع لحزب الله بدعوته لمقاومة الاحتلال، مع أن لا خيار له إلا بوقوفه خلف الدولة في تحركها الدبلوماسي الذي يلقى أوسع تأييد عربي ودولي للضغط على إسرائيل وإلزامها بالانسحاب، وهذا ما ركز عليه أمينه العام الشيخ نعيم قاسم في خطابه الأخير بتحميل الدولة مسؤولية تحرير ما تبقى من الأراضي المحتلة، ما يعني أن الحزب يتهيب الموقف ولن ينجر، كما في السابق، إلى مواجهة لم تكن متوازنة في سوء تقديره لرد إسرائيل على إسناده لغزة التي ترتب عليها أكلاف بشرية ومادية لم تكن في حسبانه.
ويلفت إلى أن الحزب لن يفتح على حسابه بدعوته منفرداً التصدي للاحتلال الإسرائيلي، وإن كان يحاول أن يحتفظ، وحتى إشعار آخر، بما تبقى لديه من سلاح خارج جنوب الليطاني بذريعة أنه من غير الجائز بأن تطالبه بنزعه بالكامل، بينما الاحتلال لا يزال جاثماً فوق أراضٍ لبنانية.
وفي المقابل، فإن مصادر دبلوماسية غربية تقلل من تذرع إسرائيل بعدم الانسحاب لطمأنة سكان المستوطنات الواقعة قبالة الحدود اللبنانية بأن عودتهم سالمة، وأن ما أصابهم في الماضي وأجبرهم على هجرتها لن يتكرر. وتقول لـ"الشرق الأوسط"، إنها ليست في حاجة أمنية إلى هذه المواقع ما دامت قادرة أن تسيطر أمنياً على الجنوب بما تملكه من إمكانات متطورة، وبالتالي فهي تربط الاحتفاظ بها إلى أن تتأكد بأن جنوب الليطاني أصبح منطقة منزوعة من سلاح حزب الله، وتخضع بالكامل لسيطرة الجيش اللبناني بمؤازرة قوات الطوارئ الدولية المؤقتة (يونيفيل).
اعتبارات سياسية
وتؤكد المصادر الدبلوماسية لـ"الشرق الأوسط" أن احتفاظ إسرائيل بهذه المواقع يعود لاعتبارات سياسية بامتياز، وتهدف إلى أمرين: الأول يتعلق بالتخلص مما تبقى من البنية العسكرية للحزب في جنوب الليطاني، والثاني الدخول في مقايضة تقوم على نزع سلاح الحزب بالكامل في مقابل انسحابها من المواقع التي تحتلها.
وتعترف بأن قدرات الحزب العسكرية لم تعد كما كانت عندما قرر إسناده لغزة، وأن دخوله في حربه مع إسرائيل أدى إلى خفضها بنسبة كبيرة، خصوصاً أن الجيش الإسرائيلي، كما تقول تل أبيب، تمكن من تدمير ما لديه من مخزون صاروخي وسلاح ثقيل اختزنه في أنفاق تقع على تقاطع الحدود اللبنانية-السورية، وترى أن الضغوط الدولية تتوقف على استعداد الولايات المتحدة للانخراط فيها لتحديد موعد نهائي لإخلاء إسرائيل لهذه المواقع، وإن كانت تشترط أولاً نزع سلاحه لتطبيق القرار 1701 بكل مندرجاته التي تحصر السلاح بيد الدولة بلا شراكة مع أي طرف.