لبنان

مطار القليعات.. حاجة اقتصادية أم ضرورة سياسية؟

مطار القليعات.. حاجة اقتصادية أم ضرورة سياسية؟

خلال العقود الماضية، وخاصة في ظل الأزمات الأمنية والسياسية، برزت مطالب سياسية لتشغيل مطار القليعات في عكار، خاصة في الأوقات التي يشهد فيها مطار بيروت الدولي ضغوطات.

وقد تكررت هذه المطالب من قبل بعض الحكومات المتعاقبة بعد اتفاق الطائف في العام 1989، حيث تم إدراج إعادة تشغيل المطار في بياناتها الوزارية، ومنها الحكومة الحالية برئاسة الرئيس نواف سلام.

كما طالب عدد من نواب الشمال بتشغيل المطار، إلا أن هذه المطالب لم ترفق بدراسة جدوى اقتصادية تخرج المشروع من إطار التجاذب السياسي، وتجعل منه خيارًا اقتصاديًا حقيقيًا.

مطار القليعات: الموقع والتاريخ

مطار القليعات، أو مطار رينيه معوض، يقع على بعد 25 كيلومترًا شمال مدينة طرابلس و7 كيلومترات من الحدود السورية الساحلية.

تم تأسيس المطار في عام 1934 بواسطة شركة نفط العراق، وكان يُستخدم كقاعدة عسكرية جوية منذ العام 1966.

وفي عام 1989، أصبح المطار رمزًا لتاريخ لبنان بعد اغتيال رئيس الجمهورية رينيه معوض، الذي أطلق اسمه عليه.

تم استخدام المطار داخليًا بين عامي 1988 و1990، وشهد فترات من التدهور بسبب الأحداث الأمنية في المنطقة.

ويحتل المطار مساحة 5.5 مليون متر مربع، ويضم مدرجًا بطول 3200 متر، إلى جانب المنشآت والمباني القديمة.

التأهيل وإعادة التشغيل

تقدّر كلفة تأهيل المطار بحوالي 300 مليون دولار، مع ضرورة تنفيذ أعمال قد تمتد على مدى أربع سنوات. ولكن، يمكن للمطار استقبال الطائرات بعد 6 أشهر من بدء الأعمال.

وهذا يشير إلى إمكانية استغلال المطار بسرعة إذا تم اتخاذ القرار المناسب.

حركة مطار بيروت

بحسب إحصاءات حركة المطار، بلغ متوسط عدد الركاب السنوي بين 2022 و2024 حوالي 6,344,708 ركاب، وهو رقم يُظهر حجم الضغط على مطار بيروت الدولي، ويستدعي التفكير في خيارات أخرى لتخفيف هذا الضغط، مثل تشغيل مطار القليعات.

الجدوى الاقتصادية

قبل اتخاذ أي قرار بشأن تشغيل مطار القليعات، يجب أن تنطلق الدراسة الاقتصادية من واقع حركة الركاب في مطار بيروت، وتحديد الحصة التي قد يستقطبها مطار القليعات، خاصة من سوريا.

يجب أيضًا حساب عدد أبناء الشمال الذين يستخدمون مطار بيروت، وتحديد العدد الأدنى للركاب الذي يضمن جدوى اقتصادية للمطار.

وتحتاج المنطقة إلى دراسة شاملة تأخذ بعين الاعتبار جميع العوامل الاقتصادية والتنموية، بما في ذلك تحسين الطرقات المؤدية إلى المطار والتي تعد في حالة رديئة، وكذلك توفير وسائل النقل العام، التي تفتقر إليها المنطقة.

مطار القليعات في البيانات الوزارية

منذ اتفاق الطائف في عام 1989 وحتى الحكومة الحالية التي تشكلت في 8 شباط 2025، شهد لبنان تشكيل 21 حكومة تضمنت بيانات حكومية نصًا على عزمها إعادة تشغيل مطار القليعات، منها حكومة الرئيس نجيب ميقاتي (2011-2014) والحكومة الحالية برئاسة الرئيس نواف سلام.

ورغم هذه الوعود المتكررة، مرّ على الوعد الأول 14 عامًا دون أن يتحقق، مما يثير تساؤلات حول إمكانية تحقيق الوعد الثاني.

هل سيكون تشغيل المطار حاجة اقتصادية وتنموية؟

وشدد الخبراء على ضرورة أن يكون تشغيل مطار رينيه معوض حاجة اقتصادية وتنموية حقيقية في المنطقة، تُعتمد على دراسة جدوى اقتصادية دقيقة، وليس مجرد وعود سياسية.

فقد شهد لبنان العديد من المشاريع الحكومية التي ضاعت فعاليتها بسبب التجاذبات السياسية، مثل مشاريع الجامعات والمستشفيات والمدن الرياضية.

التفاهم مع سوريا والمسائل الأمنية

ومن التحديات الكبرى التي يواجهها المشروع هو التفاهم مع الحكومة السورية حول تشغيل المطار، بالإضافة إلى المسائل الأمنية المتعلقة بالأوضاع في سوريا والحدود مع لبنان.

النقل العام والطرقات

من أبرز المشاكل التي تعترض تنفيذ المشروع هي حالة الطرقات في لبنان، وخاصة طريق طرابلس- القليعات، الذي يعاني من رداءة كبيرة.

كما أن غياب نظام النقل العام الفاعل يجعل من الصعب تحقيق أي جدوى من إنشاء مطار جديد دون تحسين وسائل النقل والطرقات.

التساؤل الكبير: لماذا مطار جديد؟

في بلد يعاني من مشاكل كبيرة في البنية التحتية والنقل العام، يبقى التساؤل الأهم: لماذا يتنافس السياسيون على افتتاح مطارات جوية بدلًا من التركيز على تحسين وسائل النقل الأرضي؟

يقرأون الآن