الانقسامات العربية

فى العالم العربى هناك انقسامات بين بعض دوله فى السياسة وخلافات فى الاقتصاد ومنافسات على الدور، وهى كلها سلبيات تحملتها الشعوب العربية على أمل تجاوزها فى يوم قريب يحول جوانب الضعف إلى قوة ويتجاوز الواقع الحالى.

ومع ذلك، فإن أخطر ما أصاب المنطقة العربية فى العقدين الأخيرين، وتحديدًا عقب الغزو الأمريكى للعراق فى ٢٠٠٣، هو الانقسام المذهبى والاحتقان الطائفى داخل أكثر من بلد عربى، وخاصة فى المشرق العربى، فقد ترتب على إسقاط نظام صدام حسين بالقوة المسلحة حدوث تحول فى مشاعر وتقديرات جانب كبير من سكان بلدان مثل العراق وسوريا ولبنان، حيث غاصوا فى القراءات المذهبية لمعظم الأحداث، ورددوا فى مرات كثيرة خطابًا طائفيًّا لم يعرفه آباؤهم وأجدادهم منذ بداية تجارب التحديث العربية وطوال الفترة التى أعقبت الحرب العالمية الثانية.

إن بلدًا مثل العراق عرف فى سنواته «الخوالى» أعلى نسبة زيجات بين السُّنة والشيعة وعرف مصاهرة اجتماعية عابرة للمذهب والطائفة وتلاحمًا بين السُّنة والشيعة غابت عنه أى نعرات طائفية تُذكر، ولكنه على المستوى السياسى بنى نظامًا ديكتاتوريًّا وليس طائفيًّا انتهى به الحال بأن قاد العراق إلى خطيئة غزو الكويت بكل ما ترتب عليها من تداعيات كارثية على البلد والمنطقة.

والحقيقة أن العراق مثل كثير من البلاد العربية عانى غياب دولة القانون وأسس ديكتاتورية خشنة، ولكن لم يُنظر إليه على أنه نظام طائفى كما جرى مع حكم «آل الأسد» فى سوريا، فالديكتاتورية التى أسسها حافظ الأسد كانت منذ بدايتها ذات بُعد طائفى، وتعمقت فى نهاية حكمه حتى أصبحت فى عهد بشار هى أساس النظام القائم، حتى لو غلفه بشعارات الممانعة والمقاومة، لكنه ظل حكم أقلية مستبدة مارست جرائم غير مسبوقة فى حق الغالبية.

صحيح أنه لا يمكن اعتبار طائفة بأكملها (العلويين) مسؤولة عن جرائم بشار، لكن الطبيعة الطائفية للنظام جعلت المقابل له تنظيمات عقائدية سُنية نالت دعم أغلبية الشعب وخاضت معركتها ضده بالسلاح حتى أسقطته.

الاستقطاب المذهبى وتصاعد النعرات الطائفية لم يكن أبدًا معزولًا عن السياسة والتنافس على السلطة، فالنظم الديكتاتورية، حتى لو لم تكن طائفية مثل نظام صدام حسين، خلقت بيئة مواتية لنمو الطائفية بعد الفراغ الذى ترتب على سقوطها، أما النظم الديكتاتورية الطائفية مثل بشار الأسد، فقد ترك إرثًا من المرارة والاحتقان لدى غالبية شعبه أفرزت فى النهاية حاضنة شعبية استدعت الدين والطائفة لمواجهته.

الخلافات الطائفية موجودة فى التاريخ العربى الإسلامى، ولكن السياق السياسى والاجتماعى المحيط بها هو الذى يمكنه أن يجعلها مصدر ثراء للمجتمع إذا أسس لدولة قانون عادلة، ويمكن أن يحولها إلى مصدر شقاء وانقسام إذا أسس أو تمسك بالديكتاتورية.

الانقسامات العربية كثيرها وبعضها «مقدور عليه» إلا الانقسامات المذهبية التى تحتاج لجهود جبارة لتحجيمها.

المصري اليوم

يقرأون الآن