سجّل السيد محمد شياع السوداني، رئيس وزراء العراق، ميثاقاً للعلاقات العربية، جاء في مقال نشرته جريدة الشرق الأوسط المميزة، في عددها الصادر يوم الخميس، الثامن من مايو 2025، أبرز فيه التقاسيم الزاهية للقيم، التي يتأسس عليها مؤتمر القمة العربية، التي عقدت في بغداد، والتي كما سجّل المسؤول العراقي الكبير، «تأتي في سياق تحولي، تلتقي فيها الإرادة الوطنية العراقية مع الأمل العربي العام في تجاوز الخلافات، والانطلاق نحو بناء منظومة تعاون عربي فعّالة وشاملة»، ويضيف أننا بحاجة الى خطاب عربي مسؤول يستند الى الواقعة السياسية، ويؤمن بأن التضامن لا يعني التطابق، بل احترام الخصوصيات ضمن وحدة الهدف والمصير، وأن تعزيز العمل العربي يبدأ من تقوية العلاقات بين العواصم العربية من الخليج الى المحيط، على قاعدة الاحترام المتبادل، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، وتفعيل الحوار الصريح والبناء، وتوحيد المواقف في القضايا الدولية. فالموقع الجغرافي الاستراتيجي للعالم العربي، وثرواته الهائلة، وشبابه الطموح، وإرثه الحضاري، تمنحه جميعاً قدرة هائلة على التحوّل الى قوة مستقلة ومتوازنة على المسرح الدولي. ويشير رئيس الوزراء الى التهديدات المتكررة والانقسامات الداخلية في بعض الدول العربية والتدخلات الإقليمية والدولية، التي تهدّد ليس فقط أمن هذه الشعوب، بل الإرادة الجماعية كأمّة. ومن هذا الواقع حان الوقت لإطلاق مبادرة عربية موحدة، تتجاوز البعد الإنساني، لتدعم بناء الدولة الوطنية القائمة على الدستور والكرامة والتنوع.
ويتحدّث رئيس الوزراء العراقي مؤكداً أهمية نهج اقتصادي تكاملي يعالج التفاوت التنموي، ويعزّز القدرة الجماعية على مواجهة أزمات الغذاء والطاقة، ويلح رئيس الوزراء على أن دور العراق يكمن في التجمع بين الأشقاء، واستعادة الثقة بمؤسسات العمل العربي، والتأسيس لعصر جديد يجمع الشراكة السياسية والاقتصادية. ومن أجل نجاح هذا الطرح، يؤكد رئيس الوزراء أن الأمن القومي العربي كُلٌّ لا يتجزأ ولا يتحقق من دون تعاون فعلي وسياسات متوازنة ومؤسسات قوية تحمي المصالح العليا للأمة. ويتحدّث باختصار عن رسم ملامح الشرق الأوسط عبر سياسة خارجية متوازنة، ومبادرات تنموية وشراكات استراتيجية. ويضيف أن أمله أن تستجيب العواصم العربية لهذا النداء الصادر من بغداد، لكي يبدأ العمل العربي على أرضية جديدة ومنهجية جديدة وإدارة جديدة.
قرأت هذا النداء، ونقدّر صفاء الضمير المميز والطاغي في هذا البيان الأخلاقي العالي، الذي، بلا شك، تحتاجه وبقوة توجهات الأمة العربية، التي عبثت بها أنظمة عربية دكتاتورية، تحكم بالغدر والرصاص لتبقى آمنة على مقاعد السلطة، غير عابئة بمعاناة شعبها.
ومن الواضح أن دولة رئيس وزراء العراق ينطلق من تجربة عاشها الشعب العراقي، وتحمّل قسوتها وعانى من تآمراتها، كما تابع المغامرات التي فجرتها السلطة الدكتاتورية في حروبها مع الجيران، ومواجهتها مع إيران في حرب مدمرة لثماني سنوات، ثم يلتفت النظام الدكتاتوري البليد نحو بلدنا الكويت، مستسهلاً ابتلاعها كما تصوّر، ويقع النظام، وبصحبته الدولة العراقية، في مأزق اليأس والدمار والهزيمة وعقاب لا مفر منه.
نحن في الكويت استوعبنا الحقائق المتواجدة في الجسم العربي السياسي، فليس فينا من يتجاهل وقائع دوّنها التاريخ فأبرزها، ولدت من أنظمة جاءت بالانقلابات والتآمرات، حاملة أيديولوجيات تتجاهل حقوق الآخرين، وتتعالى عليهم بشعارات الأمة وتوحيد الوطن العربي، وتسعى إلى قيادة هذه الأمة.
عراق صدام حسين احتقر كل ما في ميثاق الجامعة العربية من قيم، وعشر دول عربية عجزت عن إدانته، بعضها ساند الغزو بالصمت والتملّق لصدام حسين، وبعضها لم يستطع الارتفاع الى صوت الحق، ليدين بربرية الغزو، عاشت الكويت من عام 1961 حتى يوم الغزو، اعتماداً على قدسية المبادئ العالية في ميثاق الجامعة العربية، التي أقسمت الدول على احترامه، ورغم ذلك فإن صدام حسين وجد من يصمت عن جريمته ومن يرفض إدانته، ومنها تبدلت المفاهيم وتغيّرت المسارات، فلا استقرار ولا أمن من دون آليات الردع، ومن يعش بالدبلوماسية كما عاشت الكويت، فلا بد أن يستوعب شيئاً من المأساة التي عشناها.
يمكن أن نظيف الى مقترح رئيس وزراء العراق آليات وإجراءات يمكن أن تتخذها الجامعة العربية، وبإجماع الدول الأعضاء، ضد من يلجأ الى القوة لحل الخلافات بين الدول الأعضاء، اضافة الى ذلك تجميد العضوية لأي دولة تتعرّض لانقلاب عسكري، وهذا نظام متبع في منظمة الوحدة الأفريقية.
لا شك بأن قمة بغداد تضيف الكثير إلى صلابة التضامن العربي، الذي دمّره نظام صدام حسين، ولا بد أن يعلو مجدداً في عهد التوافق العراقي الجماعي، الذي تؤيده جميع الطوائف العراقية وتجمعاتها.
القبس