القنبلة النووية التي لن تنفجر

تبدل الزمن الذي كانت فيه الطائرات ترمي الجنود بالمظلات من السماء كما يتم رمي البذار في الحقول كي يتشبثوا فيها ويحققوا انتصار الجنرالات القابعين في غرفة إدارة الحرب من خلفهم، كان الجندي مجرد شجرة أو ربما حبة شعير يتم زراعتها في أرض غير أرضه، وفي النهاية يكون حصاداً أو تدوسه آلة الحرب قصداً وخطأً، ففي التاريخ القديم كان المحارب يذهب إلى الحرب حاملاً رمحه كي يعود حاملاً عليه رأس عدوه، فالحرب تنجب الفرسان والبطولات، وتأتي بالعربات التي تحمل الغلال والمال، والحروب أيضاً مصنع الأساطير، فقد كانت تجري على أراضٍ بعيدة، قبل أن تأتي بها الحربان الكونيتان إلى القارة العجوز وكثيراً من البلدان قبل وبعد.

ولما رأى الناس أن ما استقر بهم غير ما سمعوه عن الحرب، جعلهم يدركون أن صورة البعيد منها هي كالقريب، وعرفوا أن الجنس البشري الذي يتقاتلون به عليه أكثر رصداً لتقادم الأهوال قبل الأحوال، مع نمو المفردات وتخادم اللغات، ما أدى الى تشكيل حالة من الوعي الإنساني الجديد فبدأت تتلاشى قصة الحروب البعيدة التي كانت تذهب اليها الجيوش لكي تحصل على البطولات، ونمت صورة القيم الإنسانية، وازدادت غزارة القوانين التي تحفظ اللون والعرق والمعتقد، رغم أنها كانت صورة المشرق العربي قبل الغرب، لكن صميمة الفكرة بدلت كثيراً من المعتقد القديم عن الانسان القديم الجديد.

غير أن من كبريات العلل، أن بعضاً من التقنية يذهب للإنسانية، وبعضاً منها تأخذه هواجس الحروب، والبحث عن القوة واستشعار العظمة، بالتالي كان للسلاح النووي سطوة وللكلمة فيه أثر، رغم تنامي الشعور الإنساني بعدما حدث في هورشيما وناغزاكي، فبقدر ما تميل الإنسانية يميل نقيضها نحو التوحش، ما يدفع بالحرب نحو الحرب، في مشهد يتكرر ويود صانعوه أن يستمر في كل جيل، غير أن بعد الحرب الكونية الثانية سقطت فكرة الاستيلاء على الأرض بالعموم لا الخصوص، فالناس شركاء في الماء والهواء وشركاء أيضاً في المصالح، ورغم قسوة الشركات العابرة للحدود عند نشأتها غير أن الواقع الحالي يميل نحو التراضي بمعنى استفادة الطرفين من المخزون من المواد الخام واستثمار ذلك في جلب التقنية، وبالتالي أنتج هذا العالم المتبدل في المصالح تعاوناً يأتي بالرفاهية للطرفين بدون كلفة غزو البلاد التي تظهر فيها الشمس كثيراً وبالتالي تكون الغلال فيها أكثر من غيرها، بالتالي توصل الإنسان عبر التجربة وعبر ادراكه المعرفي، أن الكائن البشري مفيد لأخيه، ومع ازدياد العلوم كان الكون يصبح صغيراً بحجم المعرفة، كبيراً بحجم الإمكانات والمخزون فيه، عظيماً بحجم استثمار العلوم فيه، لكن يضيق كثيراً على الانسان كلما أراد حمل رمحه وإحضار رأس عدوه.

ليس صحيحاً أن السلاح النووي قوة ردع في الواقع الحالي، فقد أسقطت التكنولوجيا فكرة الردع النووي أمام التطور التقني الذي يجعل طائرة صغيرة تشغل إسرائيل 40 دقيقة في الحرب الحالية قبل العثور عليها، بالتالي ما هو القادم وما هي التقنية غير المرئية التي لم تكشف اللثام عن وجهها بعد، فما يتاح اليوم من اختراق المنظومات الأمنية عبر اللغة السيبرانية "الرقمية" وربما دون معرفة من يقف ورائها يمكن أن يضرب اقتصادات ومنشآت، وما يمكن أن تفعله طائرة صغيرة يسيطر عليها فرداً واحداً لا تستطيع فعله كتيبة من الجنود وقد تكون هذه الطائرة مبرمجة وذاتية الحركة بحيث يطلقها صاحبها ويذهب لتدخين سيجارة ويتفرج عليها كواحد من الجمهور دون ان يعرفه أحد، فنحن أمام خلاصة العقل البشري اليوم، والذي نود أن يعطي مزيداً من قيمة للحياة، بين الأوبئة والموجود من الأمراض، وبين درء الخطر من المجهول، خصوصاً وأن الانسان في كثير من الدول لم يعد مقاتلاً من أجل أن يأكل رغيف الخبز، بقدر ما بات يقاتل لأجل رفاهية أكثر وسعادة أكثر أمام عدو مشترك أكبر من الصراعات القومية والعرقية وغيرها، هو عدو صمتت الأجيال عنه طويلاً لعدم إدراك عظيم خطره، كان يجلس في البيئة ولا يزال ولا يضعف من شأنه إلا سنّة الله في الخلق الأول في تعارف البشر على بعضهم، وإدراكهم أن اللون والعرق واللسان كل ذلك هو الكون، وأن دبلوماسية العلوم الإنسانية ليس فيها خاسر.

لا حروب نووية قادمة، فقد انتهت الحرب الكونية الثانية بعد ملايين القتلى واكتشف الأوروبيون وغيرهم أنهم يستطيعون العيش مع بعضهم البعض.

العربية

يقرأون الآن