تزوير مسبق لنتائج الانتخابات. هذا هو الوصف الحقيقي والأدقّ لما يحصل اليوم من محاولة خبيثة لحرمان المغتربين اللبنانيين من التصويت في الانتخابات النيابيّة المقبلة في لبنان. تعلم الأحزاب المؤسّسة لمنظومة المافيا والميليشيا في لبنان أنّ المغترب اللبنانيّ يميل بشدّة إلى التصويت لمصلحة أحزاب ومرشّحين يقعون على تقاطع السيادة والإصلاح كعنوانين أساسيّين في معركة النهوض بلبنان، ونقله من مرحلة إلى مرحلة، لذا تبذل كلّ جهد لمنع النوّاب من تعديل القانون الحالي (رغم إعلان 67 نائبًا، أي أغلبية المجلس، رغبتهم في تعديل القانون). وكلّ هذا تحت عنوان وهميّ، اسمه "6 نوّاب للاغتراب"، يعلم جميع المعنيّين أنّه لن يبصر النور تنفيذيًّا، لاستحالة توزيع "الطوائف على القارات" (أي قارة درزيّة الطابع مثلًا؟).
بمراجعة بسيطة لأصوات المغتربين في الانتخابات النيابيّة التي حصلت في العام 2022، نفهم تلقائيًّا لماذا يريد "الثنائي الشيعيّ" – بالتضامن والتكافل مع التيار الوطنيّ الحرّ – حرمان المغتربين من حقّهم في التصويت. ففيما حصلت القوّات اللبنانيّة على ضعفي أصوات التيار الوطنيّ الحرّ في الداخل اللبناني، حصلت على أكثر من ثلاثة أضعاف التيار في الصوت الاغترابي. ومن الطبيعي أن تكون هذه النسبة ارتفعت إلى أربعة أضعاف هذه المرّة. وفيما حصل "الثنائي الشيعيّ" على 25 % من أصوات المقيمين في لبنان، لم يحصل إلّا على 12 % من أصوات الاغتراب. بينما حصلت "الثورة" – أي مرشّحو التغيير - على 26 % من أصوات الاغتراب، أي أكثر من أصوات "الثنائي" والتيار مجتمعين. بمعنى آخر، فإنّه يمكننا القول إن أحزاب الممانعة يمكنها حصد نصف أصوات اللبنانيين المقيمين تقريبًا، إلّا أنّها تفشل فشلًا ذريعًا في الاغتراب، حيث لا يمكنها حصد إلّا ربع الأصوات المهاجرة.
هذا بالطبع ليس صدفة. فمن جهة، الذين يتركون لبنان للهجرة إلى الخارج هم بمعظمهم من أبناء الطبقة الوسطى المتعلّمة، والذين يميلون بطبيعة تكوينهم السوسيولوجي إلى القوى السياديّة الإصلاحيّة التي تعمل على إنشاء دولة حديثة ومتطوّرة تحاكي تطلّعاتهم للمستقبل. كما أنّ الدول التي تستقبل المهاجرين بكثرة وتعطيهم أملًا بحياة كريمة وتؤمّن لهم حقوقًا مدنيّة مكتملة هي سياسيًا أقرب إلى القوى اللبنانية السياديّة والإصلاحيّة. إضافة إلى ذلك، فإنّ وجود اللبنانيّ في الاغتراب يحرّره من الكثير من القيود العمليّة والذهنيّة التي قد تدفعه (خلافًا للمنطق) إلى التصويت لتحالف المافيا والميليشيا في ما لو كان في لبنان. هذه القيود كثيرة، منها التعبئة الطائفية والرشوة الانتخابية والتهديد والوعيد كما الحاجة الدائمة إلى "الواسطة" في مؤسسات الدولة المهترئة. لذا، فإنّ هذه الأحزاب تعلم تمامًا أن الصوت المغترب بطبيعته منتفض على مشاريعها وممارساتها وأدبيّاتها، ولذلك تسعى بكل ما أوتيت من قوّة (ولو خلافًا للقانون) لمنع المغتربين من الإدلاء بأصواتهم.
ولا تكتفي هذه الأحزاب بمنع المغترب من التصويت، بعدما هجّرته وسرقت أمواله في المصارف وبنت اقتصادًا متكاملًا يعتمد في أساسه على تحويلاته (تقريبًا ثلث الناتج المحلي اللبناني هو عبارة عن تحويلات المغتربين)، بل إنها وبوقاحة استثنائية تمنّنه بأن "تكرّمه" عبر إعطائه 6 نوّاب يمثّلونه حصرًا! ويذكر بعض منظّري هذه القوى أنّ دولًا ديمقراطية كبرى تعطي المغتربين فيها "نوابًا للاغتراب"، كفرنسا مثلًا. لكن ما يفوت هؤلاء هو أنّ الدول التي تعتمد هذه الآلية لا تعتبرها تكريمًا، بل العكس، أي أنّها تعتبر أنه لا يمكن مساواة المغترب بالمقيم، وهذا ما لا ينطبق بتاتًا على الوضع اللبناني، حيث الاقتصاد و "السياحة" والاستثمار تعتمد بشكل أساسي على جهد المغترب وتعلّقه بلبنان. أضف إلى ذلك، وهنا الأهمّ، فإنّ دولًا مثل فرنسا تعطي المغتربين مقاعد تناسب حجمهم الديموغرافي (2 مليون من أصل 69 مليونًا، أي حوالى 3 %). بهذا المعيار، يمكن إعطاء المغترب اللبناني مقاعد خاصة به، على أن يكون عدد هذه المقاعد ثلث مجلس النواب، أي حوالى الخمسة وأربعين نائبًا!
هذه هي أمّ المعارك الانتخابية حق مليون ونصف مليون لبناني "مهجّر" قسرًا من بلده الأم، إن انتصر فيها بقايا تحالف المافيا والميليشيا، فربّما لا لزوم لخوض بقيّة المعارك الانتخابية أصلًا.
نداء الوطن