سوريا ونتنياهو وفائض القوة والغرور

حين قرر جورج بوش غزو أفغانستان عام 2001، ومن قبله حروبه مع العراق عام 1990، كان ثمة طرف آخر يرقب وهو يموت ضحكاً وفرحاً على ما يجري، قريباً أو بعيداً عن حدوده، ما دام فائدة الغزويْن، إنما تعود بالنفع والربح عليه، إنها الصين، التي غدت بعد أعوام قليلة على هذين الغزوين تعتبر العدو الأول والاستراتيجي لأمريكا والغرب، يومها كان العراق بزعامة صدام حسين قد التفت إلى الشركات الصينية، لإغرائها، ودفعها للاستثمار في بلده، أملاً في تشبيك مصالح الصين بالعراق، مما يجعلها تدافع عن نفسها ومصالحها، وليس عن العراق مباشرة، في حال قررت أمريكا مهاجمته مجدداً، حينها كان وفد صيني يلتقي المسؤولين العراقيين، ليوجهوا لهم سؤالاً بدا غريباً للمسؤولين العراقيين، وهو لو خُيرنا لنصب تمثال في الصين، لمن تعتقدون سيكون هذا الصنم؟ فكانت الإجابة الطبيعية، أن التمثال سيكون لقادة الصين التاريخيين، لكن ردّ المسؤولين الصينيين كان مفاجئاً للعراقيين، إنه تمثال لجورج بوش الذي ينشغل اليوم بعيداً عن انشغاله عن الصين وإنهاكها، وهو ما سيُوفر لنا فرصاً تاريخية..

* اليوم يحلل الخبراء العسكريون والسياسيون بأن انشغال الغرب، وعلى رأسهم أمريكا بالحدث الأفغاني والعراقي من قبله ومن بعده، كان لمصلحة الروس والصينيين بشكل مباشر، إذ على الرغم من انشغالهم عن عدويهما الروسي والصيني، فقد انخرطت الجيوش الغربية بعقيدة عسكرية تركز على مقاتلة ما وصف بالإرهاب والإرهابيين، أي حرب العصابات، مما أدى بالمطلق إلى تراجع مبدأ العقيدة العسكرية للجيوش الشاملة، مما سيشكل مأزقاً للجيوش الغربية مستقبلاً، إن واجهت العدوين الصيني والروسي.

* الاندفاعة الغربية في أفغانستان والعراق، مردُّها الحقيقي والجوهري، فائض القوة والغرور اللذيْن تمكنا من الغرب، فراح يخبط خبط عشواء، مقلداً سياسة دخول فيل في غرفة خزف، يدمر كل ما تطوله أطرافه، فكانت النتيجة ما رأيناه، إن كان في أفغانستان، حيث الهزيمة الساحقة لـ 40 دولة، وللغرب في العراق، وحين سعى نتنياهو إلى استعراض غرور قوته في فلسطين وغزة تحديداً، كانت النتيجة خسارة استراتيجية صهيونية، ربما لا تقاس بحجم الدمار والخراب الذي تعرضت له غزة، أما الشعب السوري، فقد تعرض لنفس الخسائر، ولكن كان يقال له تماماً ما قيل للشعب الفلسطيني قبل السابع والعشرين من نوفمبر/ تشرين ثاني وذلك قبل اندلاع معركة ردع العدوان التي قادها الشعب السوري إلى استقلاله الثاني في الثامن من ديسمبر كانون أول من العام 2025 بأن الفوضى والخراب والدمار هي النتيجة، ولكن كان التحرير والخلاص من النظام الاستبدادي هو النتيجة وليس ما أرهبوه به.

* على نتنياهو أن يدرك تماماً أن الشعب السوري لم يعد لديه ما يخسره، وأن ما يروج له ظاناً منه أن بمقدوره فرضه على الأرض، عبر ربط درعا بالسويداء، لتشكيل منطقة عازلة تهدد سوريا المستقبل، تحرك واهم، فتحريك مظاهرات بشرية اليوم في درعا سيهدد الكيان الصهيوني تماماً، ويجعله أمام استحقاقات جديدة خطيرة وجدية، فهل يقدر الأخير حينها على مقاومة المظاهرات الشعبية على منطقة سيحتلها، وهو ما باتت القوى الدولية ومنها الغربية تحديداً ترفضه، وقد تجلى ذلك بالتعاطف مع الشعب السوري، فكيف إن امتزجت هذه الانتفاضة مع امتلاك الشعب للسلاح الفردي، حينها سيدرك الصهاينة تماماً بأن فائض القوة لن يجدي، والدليل هو التجارب التاريخية التي شهدناها بأنفسنا في أفغانستان والعراق وسوريا وغيرها من الأماكن والحوادث التاريخية.

* الشعب السوري الذي أرهقته الحروب الأخيرة مع العصابات الأسدية، والمدعومة من احتلال أجنبي خارجي هو روسيا، واحتلال أجنبي اقليمي هو إيران، مدعوماً بعشرات المليشيات الطائفية، لم يعد لهذا الشعب ما يخسره، وبالتالي فإن تحويل بوصلته من إعادة الأمن والاستقرار للبلد، والتنمية والتطوير، وإعادة اللاجئين من تركيا وغير تركيا، الذين يبلغ عددهم 15 مليون مشرد، سيكون باتجاه الحفاظ على كرامته والدفاع عنها، وهو يرى أنه مهدد صباح مساء، دون وجه حق، بل وعلى الرغم من صمته، ورفضه المجابهة المباشرة، أما إن أصرّ نتنياهو على تجريبه اختبار صبر الشعب السوري، فحينها سيعيش تجربة الغرب في أفغانستان والعراق، ولذا فإن تكرار العمليات الهجومية الصهيونية على سوريا سيطلق مقاومة شعبية، هذه المقاومة لن تكون نزهة لنتنياهو وهو يرى منطقة جغرافية محصورة مثل غزة صمدت بوجهه حوالي 16 شهراً، فكيف بسوريا والتي لها امتدادات عربية وإقليمية.

الشرق القطرية

يقرأون الآن