حتى لا تصبح إشادة براك نعيًا للبنان

مهما كانت تفاصيل جواب السلطة اللبنانية للموفد الرئاسي الأميركي توم براك، فإنّ حتميّة سحب السلاح من "حزب اللّه" تبقى الأولويّة المطلقة والحتميّة، مهما بلغ إتقان "الحزب" المناورات وشراء الوقت، فإنّ قضية السلاح لا يمكن تجاوزها، حتى لو أنزل وفيق صفا زعرانه تحت شبّاك السراي الكبير ليوجّه الرسائل إلى رئيس الحكومة نواف سلام، ولو تمترس بالخطاب المذهبي الفاجر الذي يتعمّد إثارة أبشع النعرات بين السنّة والشيعة، من احتكار الشيعة الجنة إلى تصعيد التطاول على رئيس الجمهورية العربية السورية أحمد الشرع وتحويله في نظر "البيئة" إلى البعبع البديل عن إسرائيل لتبرير الإبقاء على السلاح.

تحمل الأيام القليلة المقبلة فرصًا كبيرة ومخاطر كبرى، ومن الواضح أنّ السلطة ما زالت تتعامل مع "حزب اللّه" كمرجعية يجب مراجعتها والوقوف عند مواقفها، وتحوّلت دولتنا العظيمة إلى مجرّد "وسيط" منحاز إلى "الحزب"، مع الولايات المتحدة الأميركية ومع المجتمع الدولي بشكل عام، ومجرّد الوقوف في موقع الوسيط هنا هو إدانة مسبقة لسلطات الدولة، هذا فضلًا عن أنّها سلكت الطريق غير الشرعي وغير الدستوري في صياغة الردّ على الورقة الأميركية، فلا يمكن أن يغني اجتماع الرؤساء الثلاثة جوزاف عون، نبيه بري ونواف سلام عن التقرير في جلسة رسمية لمجلس الوزراء، فلا يصحّ اختزال السلطة التنفيذية بخليط رئاسيّ هجين يغيّب مكوّنات الحكومة التي هي المرجع الصالح والوحيد للقرار السياسي.

ولا يمكن سلوك طريق تحرير الدولة واستلحاق الانطلاقة المطلوبة لعهد الرئيس عون ولحكومة الرئيس سلام من دون أن يتصرّف أركان الدولة باعتبارهم هم أصحاب القرار الدستوري والوطني الحقيقي، وأن يتخلّوا عن دور الوسيط مع "حزب اللّه" الذي يستغلّ تردّدهم ليزيد تسلّطه على الدولة وعلى اللبنانيين، وفي هذا السياق لا بدّ من إيقاف مهزلة كلّ المؤسّسات التابعة لـ "الحزب" والتي تعتدي على كيان الدولة، عسكريًّا واقتصاديًّا، وتحديدًا ما يسمّى "مؤسّسة القرض الحسن" التي شكّل وجودها منذ بدايته عدوانًا على الأمن المالي والاقتصادي للبنان، لأنّها تُمكّن "حزب اللّه" من الوصول إلى النظام المالي اللبناني، ما يُعرّض الاقتصاد اللبناني المتعثّر أصلًا لمزيد من الخطر وقد ساعد المسؤولون الخاضعون للعقوبات "حزب اللّه" على التهرّب من العقوبات الأميركية والوصول إلى النظام المالي اللبناني، كما حاول المسؤولون إخفاء تورّط "الحزب" في معاملات تبدو مشروعة في المؤسّسات المالية اللبنانية خلال المرحلة الماضية، وقد عرّض هذا السلوك البنوك اللبنانية لمخاطر كبيرة تتعلّق بمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، ويُعدّ هؤلاء المسؤولون وجمعية "القرض الحسن" من بين الأسباب التي تمنع وصول أموال المساعدات الدولية إلى من هم في أمسّ الحاجة إليها وإلى الشعب اللبناني بشكل عام.

وفي هذا المشهد، تلوح أمام المعارضة لـ "حزب اللّه" فرصة ذهبيّة للتقدّم والضغط السياسي إلى الحدود القصوى باتجاه سحب السلام واستعادة الدولة، مع تنظيم الصفوف، لكنّها بحاجة إلى ضمّ المعارضين الشيعة الأحرار الذين يحملون فكرة لبنان أوّلًا، فهم ركن لا تستقيم بدونه المعارضة الوطنية الجامعة.

لا يمكن التعامل مع الاستحقاق الراهن المتعلّق بالسلاح غير الشرعي ومع الردّ على الورقة الأميركية على الطريقة اللبنانية باللفّ والدوران وشراء الوقت، فالعالم اليوم في عهد دونالد ترامب، وإيران اليوم تعرّضت للهزيمة النكراء رغم كلّ أشكال المكابرة، و "حزبها" في لبنان خسر القسم الأكبر من قدراته القتالية، لكنّه لحس التوقيع على اتفاق وقف إطلاق النار وقد اعتبر المبعوث الأميركي براك أنّ هذا الاتفاق قد فشل ولم يعد قائمًا، وهذا يعني سقوط آليات عمل اللجنة العسكرية الخماسية وفتح أبواب الجحيم على البلد الذي تغنّى به براك، ونرجو ألّا يكون قد نعى بلد الأرز في خطاب الإشادة الطويل بلبنان.

نداء الوطن

يقرأون الآن