بينما تتصاعد حماوة الانتخابات النيابية المقررة بعد سبعة أشهر اذا لم يطرأ أي طارىء لتأجيلها، يتعرض لبنان لضغوط دولية كبيرة و"حامية" للاسراع في تنفيذ خطة حصر السلاح تحت وطأة التلويح بحرب أو تصعيد عسكري واسع تنفذه إسرائيل حتى ان البعض يرى ان المرحلة دقيقة جدا، والتصعيد يمكن أن يحصل في أي لحظة.
هذا المشهد القاتم والضبابي عبّر عنه المبعوث الأميركي توم براك بسلسلة تغريدات حين قال :"إذا استمرت بيروت في التردد بشأن نزع السلاح، فقد تتصرف إسرائيل بشكل أحادي، وستكون العواقب وخيمة. حان الوقت الآن ليتحرك لبنان بشأن سلاح الحزب".
وبعد ساعات على تحذير براك الذي يستعد للعودة الى لبنان الشهر المقبل، تحدث رئيس مجلس النواب نبيه بري عن "سقوط مسار التفاوض المقترح بين لبنان وإسرائيل أو ما يعرف بالورقة الأميركية، وان براك أبلغ لبنان بأن إسرائيل رفضت مقترحاً أميركياً يقضي بإطلاق مسار تفاوضي يستهل بوقف العمليات الإسرائيلية لمدة شهرين، وينتهي بانسحاب إسرائيلي من الأراضي اللبنانية المحتلة وإطلاق مسار لترسيم الحدود وترتيبات أمنية".
كل ذلك ترافق مع إرتفاع منسوب تحليق الطائرات المسيّرة في الأجواء اللبنانية لأكثر من 24 ساعة بشكل متواصل خصوصا فوق الجنوب وبيروت وضاحيتها الجنوبية والبقاع والقصر الجمهوري والسرايا الحكومية بالتزامن مع مواقف تصعيدية جديدة جاءت على لسان مسؤول إسرائيلي إذ أشار الى أن "تل أبيب قد تتحرك من جانب واحد ضدّ "الحزب"، وان العواقب ستكون وخيمة بحيث ان الحكومة اللبنانية تتردّد في التحرك ضدّ الحزب".
وبالتالي، يمكن القول ان اتفاق تشرين الثاني سقط، وبتنا اليوم أمام مرحلة تصعيد جديدة يعتبرها البعض تهدف الى الضغط على لبنان لإجباره على مفاوضات سياسية مباشرة تفضي الى ابرام اتفاق تفرض فيه اسرائيل شروطها على اعتبار انها ربحت الحرب،وفرضت واقعا جديدا على الارض. وهي اليوم ستصب اهتمامها على جبهتها الشمالية بعد ان انتهت من حربها في غزة لاستكمال مخططاتها في المنطقة خصوصا مع البلدان على حدودها.
في هذا السياق، أكد مصدر مطلع لموقع "وردنا" ان التصعيد والضغوط على لبنان لإجراء مفاوضات مباشرة على اعتبار ان المفاوضات غير المباشرة أصبحت بلا قيمة، واليوم هناك مخطط أميركي- اسرائيلي لارساء السلام بين كل الدول العربية واسرائيل، وذلك خلال ولاية ترامب. مع العلم ان براك يقول في مجالسه الخاصة انه يسعى الى تحقيق إنتصار اسرائيل في كل المنطقة مع الاشارة الى ان ما يقوله كأنه يأتي على لسان ترامب لأنه مقرب جدا منه بعكس ما يروّج له ان براك على خلاف مع بعض أركان الادارة الاميركية. من هنا، ووفق المعطيات الحالية، ليس مستبعدا أن تشن اسرائيل حربا على لبنان، وتنفذ عملية برية في الجنوب، وتفرض أمرا واقعا بدعم أميركي. ولا أعتقد ان أي طرف أو دولة قادرة على الوقوف في وجه أميركا.
مع هذه التطورات، والبلبلة السياسية، والضغوطات الخارجية وسط معلومات عن وصول مقاتلات أميركية الى المنطقة لمواكبة احتمال التصعيد العسكري، لا بد من جملة تساؤلات: هل التصعيد الاسرائيلي في الأجواء اللبنانية يهدف الى جمع المعلومات لتحديث بنك الأهداف المقبلة أو انه رسالة سياسية الى المعنيين ان التصعيد الأعظم آت إذا لم تسرع الحكومة اللبنانية في خطواتها نحو نزع السلاح وفرض سيطرتها وسلطتها على الاراضي اللبنانية؟ وهل مواقف براك التصعيدية التهديدية تشير الى أن الولايات المتحدة الاميركية توفر غطاء لإسرائيل في حال قررت شن عملية عسكرية واسعة على لبنان تحقيقا لخطة السلام التي تحدث عنها الرئيس الأميركي دونالد ترامب مرارا؟.
العميد خالد حمادة أشار في حديث لموقعنا الى ان أكثر من مسؤول أميركي عبّر عن رأي الحكومة الاميركية بالوضع اللبناني.وكان حديث ترامب في قمة شرم الشيخ واضح لجهة تسمية رئيس الجمهورية بإسمه، وانه يدعمه في عملية نزع السلاح. وكذلك، أوحى انه اذا لم يتم ذلك، فإن اسرائيل قد تتولى الامر. كما ان موقف توم براك أكثر دلالة وشمولية لأنه تناول الموضوع اللبناني وقضية غزة والملف السوري، ووضع لبنان كثغرة في مسألة استقرار الشرق الاوسط. وقال بالحرف ان حزب الله سيواجه حربا تدميرية من قبل اسرائيل. ووصف الجيش اللبناني بأنه جيش بدون سلطة، وان الحكومة اللبنانية منقسمة بسبب نفوذ الحزب. وأشار كذلك الى ان الخطة التي أُعدت خلال ولاية الديموقراطيين فشلت لأنه لم يكن هناك آلية واضحة للتنفيذ. إذا، كل عوامل الاستنفار على الجبهة اللبنانية قائمة، والاعتداءات الاسرائيلية اليومية على الداخل دلالة ميدانية على ان ليس هناك أي خطوط حمراء تعيق أي عمل عسكري.
واعتبر العميد حمادة ان المسيّرات التي باتت تحلق فوق القصر الرئاسي والسرايا الحكومية تهدف الى ايصال رسالة مفادها انه حتى هذه المقرات يمكن أن تكون أهدافا اذا لم تتخذ الحكومة الاجراءات المناسبة. إذا، كل عناصر الاستنفار والتصعيد موجودة. الولايات المتحدة دائما تشكل غطاء لاسرائيل في حربها سواء في لبنان أو غزة أو ايران، والحديث عن غطاء أميركي غير منطقي. اسرائيل هي قاعدة متقدمة للولايات المتحدة، وما يقوم به نتنياهو بأمر وتغطية من ترامب.
ورأى ان لبنان اليوم في جبهة واحدة مع ايران. ايران تبدو وكأنها تريد تقديم لبنان كذبيحة لمصالحها، وهي لا تريد المواجهة مع اسرائيل، انما السيطرة على لبنان والابقاء على نفوذها داخله لتكون جزءا لما يتم ترتيبه في المنطقة، والولايات المتحدة لا تريد أن يكون لها أي نفوذ خارج حدودها. نحن أمام مراحل متقدمة تؤشر الى الصدام الحتمي، وقد يكون ما يؤخر الموضوع ما يجري في غزة. ربما خلال أسابيع قليلة سيتقدم الوضع اللبناني، وسيصبح في دائرة الضوء أكثر، ونحن مقبلون على أيام صعبة لاسيما ان أكثر من مبعوث غربي نقل هذه الصورة لحزب الله، وحذره من أن ما يحصل تهديد جدي وليس بهدف المساومة.


