مقالات آخر تحديث في 
آخر تحديث في 

سماء لبنان تحت المراقبة: مواجهة صامتة

سماء لبنان تحت المراقبة: مواجهة صامتة

لبنان اليوم يعيش بين واقعين: سماء محكومة بالتصعيد ورسائل التهديد، وأرض تحاول أن تتمسّك ببقايا الاستقرار. وإذا لم تُحمَ السماء، فماذا يتبقّى من الوطن؟ فالسيادة ليست حدوداً مرسومة على الخرائط فقط.

طنين يومي… وسؤال معلّق

في الأسابيع الأخيرة، تحوّل الطنين المتواصل في سماء لبنان إلى عنصر ثابت في الحياة اليومية للسكان. طائرات مسيّرة تحلّق على ارتفاعات منخفضة، بعضها استطلاعي وبعضها يحمل رسائل سياسية وأمنية تتجاوز حدود المراقبة. ومع كل مرور جديد لها، تتجدد الأسئلة حول من يدير المشهد، وإلى أين تتجّه المواجهة غير المعلنة.

ما كان يُعدّ سابقاً اختراقاً استثنائياً، صار اليوم نمطاً قائماً يفرض على سكان المدينة تساؤلات صامتة:

لمن هذه السماء؟ من يقرّر ما يحدث فوق رؤوس اللبنانيين؟ من يملك مفتاح القرار فوق هذه الأجواء؟ وهل نحن أمام اشتباك محسوب يسبق مرحلة سياسية جديدة؟

الدولة اللبنانية: إدارة المجهول

الحكومة اللبنانية، العالقة بين التزاماتها الدولية وموازين القوى المحلية، تبدو عاجزة عن صياغة معادلة متماسكة لإدارة هذا التوتر. كل خيار له كلفته:

* المواجهة تعني الانزلاق نحو حرب واسعة،

* والسكوت يعمّق شرخ السيادة ويطيل أمد الأزمة.

أما المواطن اللبناني، فهو الحلقة الأضعف في المشهد: يحاول تنظيم يومه بين ضجيج اقتصاد منهك، وسماء تذكّره بأنّ الاحتمالات كلّها مفتوحة.

العالم يقترح الحلول… واللبناني يدفع الثمن

العالم يقدّم للبنان حلولًا جاهزة:

“انزعوا السلاح… وسيأتي السلام من خلف الحدود.”

وفي المقابل، هناك من يظنّ أن البقاء في المواجهة إلى ما لا نهاية طريقٌ مضمون نحو “الانتصار”. لكن أي انتصار هذا حين تنزف الدولة وتهاجر الأدمغة ويكبر الأطفال على صوت طائرة لا يرونها؟

المنطقة تتقدّم… ولبنان يراوح مكانه

وفي المقابل، تتحضّر سوريا لتوقيع اتفاقيات مع إسرائيل، وقد بدأت بالفعل بإعداد فاتورة إعادة الإعمار التي تتجاوز 200 مليار دولار، مقدِّمة أرقامها للمجتمع الدولي.

كما أن «حماس» وافقت على التخلي عن سيطرتها على غزة، والدول العربية والإسلامية تصطف اليوم في طابور التطبيع.

تحولات كبرى تجري من حول لبنان بسرعة فائقة:

تقاطعات سياسية جديدة تُرسم، خرائط نفوذ تُعاد صياغتها، وتسويات إقليمية تُدار خلف الأبواب المغلقة.

في حين يبقى القرار اللبناني معلّقاً بين سقف دولي يريد تهدئة دائمة، وواقع داخلي عاجز عن حسم خياراته.

وفي نهاية المطاف، سيبقى لبنان وحيداً، متمسكاً بمشهد “المقاومة” بإصرار الإيرانيين وحلفائهم…

بينما المنطقة كلّها تنزلق نحو مرحلة جديدة لا مكان فيها لمن يتأخر عن قطار التسويات.

فهل يستطيع لبنان أن يحافظ على معادلته الخاصة وسط هذا التحوّل السريع؟

أم أننا متجهون إلى عزلة سياسية وأمنية تُعمّق الانهيار وتُؤخّر أي فرصة للإنقاذ؟

الداخل تحت الضغط: سلاح المقاومة في الواجهة

تزامن هذا الواقع مع عودة النقاش الداخلي حول سلاح حزب الله. ضغوط خارجية مستمرة تطالب بـ:

* تطبيق قرارات دولية تتعلق بحصرية السلاح بيد الدولة،

* وربط أي تهدئة ببدء مسار نزع السلاح.

لكن حزب الله يرفض هذه المقاربة، ويفصل بين الدفاع الوطني والأزمات السياسية الداخلية، معتبرًا أن أي تفريط بورقة القوة الحالية يتمّ “لصالح العدو”.

في خضمّ هذا المشهد، تعود إلى الذاكرة عبارة لشارل بودلير:

«السماء عميقة كالحلم»

لكن ماذا يحدث عندما يُخترق هذا الفضاء؟

عندما يصبح الحلم نفسه مراقَباً؟

فإذا أصبحت السماء مراقَبة، فهل تُصبح أحلامنا كذلك؟

ونحن بدورنا نرفع أعيننا للسماء و نقول لن نقبل ان يكون الوطن معلقاً بين السماء و الأرض وبين من يملك القرار… ومن يدفع الثمن.

يقرأون الآن