زحمة موفدين شهدتها بيروت أمس، ومن المتوقع أن تستمر في الاسابيع المقبلة مع زيارات متتالية لشخصيات عربية وغربية حيث تهدف هذه الزيارات الى تحقيق أمر واحد: المساهمة في تجنيب لبنان أي جولة جديدة من الحرب، ومساندته في الالتحاق بمسار السلام في الشرق الاوسط الذي يسعى الى تحقيقه الرئيس الاميركي دونالد ترامب.
على إيقاع التصعيد الاسرائيلي في الايام القليلة الماضية،والتدريبات العسكرية التي يجريها الجيش الاسرائيلي على الحدود مع لبنان، بالتوازي مع الأخبار عن احتمال شن حرب اسرائيلية واسعة في لبنان بين لحظة وأخرى، وصلت الموفدة الأميركية مورغان أورتاغوس الى بيروت بعد جولتها في اسرائيل كما جال مدير المخابرات العامة المصرية حسن رشاد على عدد من المسؤولين في خطوة اعتبرت هامة جدا ولها دلالات عديدة تتخطى البعد الأمني بعد أن نجحت مصر في تثبيت موقعها كوسيط عربي يساهم في حلّ أزمات المنطقة، وقمة شرم الشيخ للسلام التي حضرها الرئيس الأميركي خير دليل. كما ان زيارة الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط، تصبّ في الاطار عينه إذ أكد من بعبدا انه عرض رؤيته للتحرك الأميركي الحالي لدفع عملية السلام في الشرق الأوسط، والتصميم الأميركي الواضح على الإمساك بزمام الأمور.
ووفق المعلومات، فإن أورتاغوس التي اتّبعت آداءً جديداً مختلفاً عن زياراتها السابقة إذ بقيت لقاءاتها بعيدة من الإعلام، فلم تنقل أجواء سلبية الى الرؤساء الثلاثة لا بل بدّدت الى حين غيمة الحرب السوداوية التي كانت ملبّدة في السماء، وأبدت جهوزية الإدارة الأميركية لمساعدة لبنان، وطرحت أمام رئيس مجلس النواب نبيه برّي خيارين، الأول، هو التفاوض المباشر مع إسرائيل، والثاني التفاوض غير المباشر عبر لجنة الميكانيزم وربّما تتوسّع وتضمّ مدنيين (سياسيين)، وقد يكون هذا هو المخرج الذي يُعمل عليه،مشيرة إلى انّ الاسرائيليين غير مرتاحين إلى تطور الاوضاع، وانّهم متخوفون من انّ "حزب الله" يعيد بناء نفسه مجدداً عبر تهريب أسلحة من سوريا إلى لبنان على ان تنقل حصيلة لقاءاتها مع المسؤولين اللبنانيين الى المسؤولين الأميركيين فور عودتها الى الولايات المتحدة الأميركية.
طروحات أورتاغوس، اعتبرها البعض إيجابية، وانها فرصة جديدة للبنان أو ما يشبه النصيحة باغتنام الظروف المتاحة الآن، للوصول إلى اتفاقيات تُنهي الحرب، وعدم تضييع هذه الفرصة كي يتكمن لبنان من إعادة الإعمار والنهوض من تحت الدمار، وعودة الاستثمارات رغم الهواجس التي نقلتها عن الاسرائيليين إذ اعتبرها العميد خليل الحلو في حديث لموقع "وردنا"، رسالة تهديد وتهويل مع العلم ان الحزب هو الذي يخبرنا عن إعادة ترميم نفسه. ورغم ان الوضع كما هو حاليا يدل على ان احتمالات التصعيد قوية إلا أن إحتمالات الاجتياح البري منخفضة جدا لأن اسرائيل ليست بحاجة للارض وتحقق ما تريده من الجو أي الحفاظ على منطقة عازلة لحماية المستوطنات الحدودية.نحن في حالة حرب منخفضة أو متوسطة الوتيرة في ظل الغارات والاغتيالات اليومية.
ولفت الحلو الى ان أورتاغوس قبل أن تزور لبنان، قامت بمسعى كبير في الولايات المتحدة الاميركية للافراج عن 230 مليون دولار لمساعدة الجيش وقوى الامن الداخلي اللبناني. هذا يعني ان أميركا تعتبر ان الجيش يقوم بواجباته كما طلبت منه السلطة السياسية، وهذا أمر إيجابي. أما على المستوى السياسي، فلا يزال الموقف اللبناني ضبابي بحيث ان الحكومة ترحب بخطة الجيش، لكن لا تقوم بمهامها في متابعة ملف حصر السلاح بشكل حثيث اذ لا يمكن أن يتحمل الجيش لوحده هذه المسؤولية خصوصا ان "حزب الله" ممثل في الحكومة، وموقفه معروف من تسليم السلاح.
وعن الافادة من طرح توسيع لجنة "الميكانيزم" لتضم مدنيين أو وزراء من الحكومة، أشار الحلو الى انه عندما رُفضت فكرة التفاوض التي طرحها رئيس الجمهورية، وأقفلت الابواب امام أي حلّ، فلم يعد هناك الا لجنة "الميكانيزم" التي يتم طرح توسيع أعضائها لتطبيق القرارات الدولية السابقة، وهذا أمر إيجابي جدا، والجواب اليوم ننتظره من الحكومة اللبنانية. وبالتالي، التفاوض يصبح أكثر فاعلية ويؤدي الى نتائج أفضل في وقت أقل.لبنان تفاوض بشكل مباشر مع اسرائيل أكثر من مرة. لماذا التخوف اليوم من التفاوض الذي هو ضرورة لحل الازمات؟ ولا ننسى ما قاله السيناتور الاميركي ليندسي غراهام حين لفت الى الخطة "ب" في حال تعثرت المسارات السياسية لنزع سلاح "الحزب".
أما مدير المخابرات المصرية الذي تتقاطع مهامه الى حدّ ما مع مهمة أورتاغوس خصوصا ان الجانبين الاميركي والمصري ينسّقان في ملف اتفاق غزة، فإن زيارته استطلاعية حول المواقف اللبنانية من محاولة مصر لعب دور في لبنان على غرار ما قامت به في غزة لناحية اتفاق وقف النار،وربما بلورة تفاهمات غير مباشرة بين بيروت وتل أبيب.
وفي السياق، أوضح الحلو ان أهمية زيارة الوفد المصري تكمن كون مصر ربما تكون الدولة العربية الوحيدة التي تتفاوض مع اسرائيل علنا كما انها معنية بالشأن اللبناني والشأن الفلسطيني، وتملك القوة والقدرة بالاضافة الى ان لديها صداقات في لبنان. وبالتالي،يمكن أن تلعب دورا محوريا في لبنان لكن لا شيء ملموس على الارض حاليا.


