كتبت صحيفة الشرق الأوسط تقول: أثمرت حملة الضغط الشعبية في ضاحية بيروت الجنوبية على طرفي «الثنائي الشيعي»، («حركة أمل» و«حزب الله») من جهة، وعلى الدولة اللبنانية من جهة ثانية، حملة أمنية مستمرة، منذ الأسبوع الماضي، تشارك فيها مختلف الأجهزة الأمنية اللبنانية، أفضت إلى توقيف عشرات المطلوبين بجرائم السرقة والنشل وترويج المخدرات، وانتقلت أخيراً إلى مرحلة ملاحقة مشغلي الأفراد المتورطين في أعمال خارجة عن القانون.
وتصاعدت عمليات النشل وسرقة الدراجات النارية والهواتف الجوالة، بشكل كبير، في الآونة الأخيرة، وقيّد سكان الضاحية حركتهم في أسواقها إلى حد كبير، تجنباً لعمليات نشل أو سرقة. وقالت إحدى ساكنات المنطقة لـ«الشرق الأوسط» إنها تتردد في الخروج ليلاً إلى الأسواق لشراء حاجيات عيد الفطر، بسبب المخاوف من التعرُّض للسرقة، بينما يفرض آخرون ركن الدراجات النارية في مداخل المباني، لأنها تتعرض للسرقة بكثرة.
ولم يقتصر سلوك السكان على الحذر أو تقييد الحركة، إذ لجأ أبناء الأحياء إلى ما يُشبِه الأمن الذاتي، حيث تناقل رواد مواقع التواصل مقاطع فيديو تظهر القبض على شخص حاول سرقة دراجة نارية، وأوسعوه ضرباً قبل تسليمه إلى الأجهزة الأمنية اللبنانية الرسمية، وذلك قبل يومين من الإعلان عن انطلاق الحملة الأمنية، في الأسبوع الماضي، بمشاركة الجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي وأمن الدولة والأمن العام.
ويتحدث سكان الضاحية وفعالياتها عن ارتياح لمشهد انتشار القوى الأمنية في شوارعها، وهي تدقق في هويات العابرين وتلاحق المطلوبين وتوقفهم. وقال عضو كتلة «التنمية والتحرير»، النائب فادي علامة، إن مطلب الكتل السياسية للدولة بتنفيذ إجراءات أمنية في الضاحية «لم يتوقف يوماً»، لكنه في الفترة الأخيرة بعد الأزمة التي ضربت لبنان «تراجعت وتيرة الإجراءات المكثفة، وهو ما أدى إلى تصاعد في مستويات الجريمة»، في إشارة إلى الأزمة المالية التي ضربت إدارات الدولة، ومن بينها المؤسسات الأمنية.
وقال علامة: «في مختلف اللقاءات مع أهالي الضحايا أخيراً، كانت هناك شكاوى من الناس بأن الأمور لم تعد تُحتمل، وانضمت دعواتهم إلى دعوات الفعاليات السياسية التي طالبت الدولة بأن تقوم بدورها»، مشدداً على أن «الجميع على قناعة بأن لا بديل عن حضور الدولة، ولا أحد يأخذ دورها»، لافتاً إلى أن «غياب الدولة أو ضعف وجودها سيؤدي إلى انتشار الجريمة، وهو أمر لا نقبله ولا نسكت عنه»، لذلك «تجددت الدعوات للدولة بأخذ زمام الأمور والوجود بشكل مكثف».
وبلغت حملة الضغوط ذروتها مع انتشار بيان مجهول المصدر انتشر على مجموعات «واتساب»، وذُيّل باسم «مجموعة من شباب الضاحية»، قالوا فيه: «بعد ما تعرضت له الضاحية من عمليات نشل وسرقة، والأذية التي أصابت سكانها، والتقاعس الممنهج من قبل المعنيين في أجهزة الدولة»، فقد قرروا معاقبة السارق بالمثل، سواء بإطلاق النار عليه أو بضربه بالسكين، ودعوا العائلات إلى ضبط أولادها الخارجين على القانون.
إزاء هذه الضغوط الشعبية والتطور الذي ينذر بانفلات الأمور وانتشار الأمن الذاتي، عُقد اجتماع بين ممثلين عن «حزب الله» و«حركة أمل»، وعن الأجهزة الأمنية والعسكرية، واتفقوا على تفعيل دور هذه الأجهزة بقطعاتها المختصة في الضاحية الجنوبية لبيروت، وتسيير دوريات في أكثر من منطقة على امتداد ساعات الليل والنهار، وإقامة حواجز ظرفية في مختلف مناطق الضاحية، حسب بيان مشترك صدر عن «أمل» و«حزب الله»، أكدا فيه رفع الغطاء عن كل متورّط.
وبدأت الأجهزة الأمنية بإجراءاتها، منذ الأسبوع الماضي. وأقامت الحواجز المفاجئة وتدقق بالمارة والدراجات النارية، وتقوم بعمليات تفتيش دقيقة، وينسحب الأمر على أماكن أخرى في الجاموس وحارة حريك وحي السلم وصحراء الشويفات. وتشارك في العمليات مختلف الأجهزة الأمنية والعسكرية اللبنانية، وأدت تلك الإجراءات إلى توقيف عشرات المطلوبين والمتورطين بعمليات السرقة والنشل وإطلاق النار والسرقة والسلب بقوة السلاح، والمطلوبين بمذكرات توقيف.
وقالت مصادر لبنانية مواكبة للإجراءات الأمنية في الضاحية لـ«الشرق الأوسط» إن الأجهزة الأمنية تقوم بالتوقيفات والملاحقات بناء على بيانات و«داتا» جمعتها من كاميرات الشوارع، ومعلومات أمنية تثبت عمليات السرقة وإطلاق النار والاتجار بالمخدرات وغيرها من الأعمال الخارجة عن القانون، مشيرة إلى أن التوقيفات انتقلت إلى مرحلة متقدمة، وهي ملاحقة العصابات ومشغلي هؤلاء السارقين ومطلقي النار، حيث لا يقوم بعضهم بتلك الأعمال المخلّة منفرداً، بل ينضم إلى مجموعات تشغله.
وقالت المصادر إن انتشار القوى الأمنية، وهو إجراء مطلوب من وقت طويل «عكس ارتياحاً في صفوف السكان»، بموازاة موسم افتتاح الأسواق قبل عيد الفطر في ساعات الليل، وهو موسم يشهد ازدحاماً كبيراً.
الشرق الأوسط