يبدو أن الرئيس الأميركي ترامب يتجه إلى الطلاق مع الدول الأوروبية، وإنهاء التنسيق والتشاور معها، والتعامل معها على نحو مختلف مقارنة مع ما كان قائماً من علاقات بين أميركا ودول أوروبا، وأن عليها -وفق رؤية ترامب- أن تعتمد على نفسها لا على الحماية الأميركية.
ولم تكن سياسة ترامب في الحرب الروسية الأوكرانية، وتجنيب الدول الأوروبية من أي دور أو تنسيق في إيقاف القتال هي أول إجراء في هذا التوجه الجديد، وإنما سبقها رفع الرسوم الجمركية من طرف واحد، دون النظر إلى أضراره بدول أوروبا، والتصريحات المثيرة التي يطلقها الرئيس ترامب ويتأذى منها قادة الدول الأوروبية.
الرئيس ترامب يقود سياسة دفعت بدول أوروبية إلى التنادي للاجتماع والتنسيق على مواجهة المتغيِّرات في السياسة الأميركية، بما لا يجعل هذه الدول في حالة خطر بانسحاب أميركا من التعاون الذي ظل قائماً على مدى عقود، وهو الآن يهتز، ويتجه إلى إفشال وإنهاء ما كان يمثِّل مصدر قوة أمام أي تهديد من روسيا والصين.
رأي ترامب أن مصلحة أميركا أولاً، وهو يعتبر أن الدول الأوروبية تشكِّل عبئاً على اقتصاد أميركا، وأن على واشنطن أن تراجع سياساتها وتعاملاتها مع جميع دول العالم بما فيها الدول الأوروبية، بعد أن وصل إلى قناعة بأن الدول الصديقة تستغل أميركا، وتستفيد منها دون مكاسب لصالح الولايات المتحدة الأميركية.
الأزمة الأميركية الأوروبية لا زالت في بدايتها، وقد تتفاقم الخلافات التي ما زالت كالرماد تحت النار، متى تم اتفاق وقف إطلاق النار في أوكرانيا مع تغييب أوروبا من أي مشاركة في صناعة هذا الاتفاق، ومتى جاءت بنوده لا تلبي مصالح دول القارة الأوروبية التي شاركت في دعم المجهود الحربي الأوكراني في هذه الحرب.
الرئيس ترامب، لا يتفق مع السياسات الأوروبية بشأن أوكرانيا، ويرى أن على الرئيس الأوكراني أن يقبل بأقل مما يطالب به لإقناع روسيا بإيقاف الحرب، وإن لم يفعل فإن التوسع في احتلال الروس للأراضي الأوكرانية سوف يستمر، ولا توجد - برأي الرئيس الأميركي- أية فرصة أمام أوكرانيا لكسب الحرب، أو المحافظة على ما بقي من أراضيها، خاصة مع توقف أميركا عن تقديم الدعم العسكري لأوكرانيا.
رئيس الولايات المتحدة الأميركية في حالة غليان، واندفاع في مهاجمة خصومه، حتى إن وسائل الإعلام الأميركية كان لها حصتها من هذا الهجوم بسبب تنديدها بسياسة الرئيس ترامب وحزبه الجمهوري، وكندا ومالطا والمكسيك ودول أوروبا في حالة تشنج أمام تصريحات الرئيس دونالد ترامب وهو لا يتردد في إعلان مواقفه السياسية بشكل يومي دون أن يتأثر بالردود السلبية عليه، بما لم يعتد عليه البيت الأبيض.
ومنطقتنا لها نصيبها من مستجداته، حيث يدعم إسرائيل، ويأخذ موقفاً معادياً لفلسطين، وسلبياً مع الأوضاع المأساوية في بعض الدول العربية، أي أن الحالة الترامبية في حكم أميركا بدأت وكأنها تكرِّس لمبدأ عدم الاستقرار في العالم، وتشرِّع لاحتلال وضم أراض للغير، دون سند أو حق قانوني.
ولا بد من القول إن تصريحات الرئيس ترامب تبدو أحياناً غير جدية، لتناقضاتها، وغرابتها، وعدم تطابقها مع القوانين والأعراف الدولية، أي أنها تحتاج إلى (فلترة) وإخضاعها للمنطق الصحيح، ومن أن تصريح اليوم يجب ما قبله أحياناً، فنحن أمام دولة أميركية جديدة لا تشبه أميركا التي نعرفها وتعودنا عليها.
والرئيس الأميركي لا يكل ولا يتعب من نعت خصومه بأوصاف واتهامات غير مألوفة، وغير منطقية، ويمكن القول إنه من غير الممكن تطبيق الكثير منها، وعلينا أن ننتظر، ونتأمل، ونؤجل أحكامنا إلى حين نرى أفعال ترامب لا أقواله التي تصيب رأس المتابع بالدوران.
عكاظ السعودية