تمثّل الرؤية الفلسفية للحدث السياسي جزءاً أصيلاً من تاريخ النظرية بمعناها العميق. وما كانت الفلسفة بعيدةً عن السياسة منذ الإغريق وحتى اليوم. الفلاسفة يزنون الأمور بطريقةٍ تختلف عن اليوميات وعن الصيغ الشعبية. ثمة آثار خالدة للنظرية السياسة تبيّن أن النظرة من زوايا أخرى غير اعتيادية ضرورة لأي حدثٍ كبير.
ولا غرابة فالفلسفة تكمن حيويّتها في إيقاظ السبات، كما يعبّر كانط ممتناً لديفيد هيوم. والفلاسفة يزنون الحدَث بدقةٍ شديدة، وبخاصةٍ مع الأحداث الكثيفة التي مرّت عليهم منذ الحروب الأهلية، وحتى الحروب الدينية وليس انتهاءً بالحربين العالميتين. إنهم لا يتداخلون مع الحدث بوصفهم خبراء سياسيين، وإنما يعثرون على نظرةٍ تصعب على غيرهم.
فلكل حدثٍ كوامنه الاجتماعية والعقائدية والتاريخية، ثم يأتي التسبيب السياسي للحدث بمرحلةٍ تالية. ممن اشتهر بالتدقيق بالحدث السياسي الفيلسوف هيغل، حيث تضمّن نتاجه بعمومه وبخاصة كتابهٍ: «أصول فلسفة الحق» نظرياتٍ سياسية مؤثرة، أثّرت بطريقةٍ أو بأخرى على لاحقيه. وهناك كتاب يلخصّ ذلك للدكتور إمام عبدالفتاح إمام بعنوان: «دراسات في الفلسفة السياسية عند هيجل».
في القسم الثاني من الكتاب يتطرّق المؤلف لكتابات هيغل السياسية المتأخرة، وبخاصةٍ في نضج موقفه من الثورة الفرنسية، التي اندفع معها في البداية، ثم شنّ عليها هجوماً شرساً، لأنها لم تجلب إلا الخراب والدمار، وعلى إثر ذلك شغب عليه بعض مريديه المتحمسين، وما كانوا مدركين أن هيغل نظر إلى الحدث بشكلٍ صارم.
والفلسفة ليست معنيّة بالخبر بقدر ما تعتني بالأثر. الخبر يلقي القصّة على الفيلسوف ثم يبوبها ضمن مجاله النظري، ينسى الجموع الخبر مع التقادم ولكن ما يَخلُد هو النظرة الفلسفية الفاحصة. لنقرأ عن الأحداث الكبرى التي حوّلت البشرية، وكيف قُرئت عند الفلاسفة، وأبرز مثالٍ على ذلك الحربان العالميتان وآثارهما الكارثية. من الضروري سير النظرية الفلسفية للحدَث ضمن مجالاتٍ وزوايا لا تبدو للعيان.
بمعنى آخر، إنتاج نظرياتٍ مقولاتٍ تجتهد نحو درس أثر الحدث على جميع المستويات، ومن بين أولئك المبدعين بهذا المجال صموئيل هنتنغتون في نظرية «صراع الحضارات» أو فرنسيس فوكوياما في «نهاية التاريخ»، والأمر مثله لدى الفرنسي إدغار موران، الذي يتداخل مع الأحداث في الحوارات والنقاشات وورش العمل، ولكن ضمن رؤية فلسفية بعيدة الأمد لا يمكن للتقادم الزمني أن يفقدها حيويتها وراهنيتها.
كذلك الأمر في قراءة حدثٍ كارثي مثل 11 سبتمبر، حيث تهافت الفلاسفة لدرس المآل، الذي يمكن أن يحدث، حيث لم يبقَ فيلسوف عاصر الحدث إلا وكتب عنه كلٌ على طريقته.الخلاصة، أن الحدث من الضروري تلقّفه بتحليلٍ نظري بالتزامن مع التبويب الخبَري، من هنا نكون أكثر قدرةً على درسه وتحليله، والاعتبار منه، ليكون ضمن النظريّة الفلسفية السياسية على المفيدة على المدى البعيد.
الاتحاد