السودان: صراع الضياع

تعتبر الحروب الأهلية من أخطر أنواع الصراعات التي تمزق أوصال الوطن الواحد، إذ يتنازع أهله على السلطة مما يزعزع الوحدة الوطنية ويجعل قوة السلاح تعلو فوق أي سلطة أخرى. السودان، هذا البلد العربي الشقيق، عانى من ويلات الحروب الأهلية منذ فترة طويلة، بدايةً من حرب انفصال جنوب السودان مرتين: حرب أنانيا الأولى (1955-1972) وحرب أنانيا الثانية (1983-2005)، إلى الصراعات المتتالية داخل الولايات، وصولاً إلى الحرب الأهلية السودانية الثالثة التي اندلعت منذ عام 2023 في العاصمة الخرطوم بين أطراف الحكم، فدمرت حاضر السودان وتهدد مستقبله.

إنَّ للوطن حقوقًا واجبة تتمثل في حبه وحمايته وحماية شعبه وثرواته ومصالحه، وتقديم مصلحته على أي مصلحة أخرى، سواء كانت عامة أو خاصة. وتعد المصلحة الوطنية أساساً للضروريات الخمس التي تتضمن حفظ الدين والنفس والعقل والعرض (النسل) والمال، والتي يُضاف إليها حديثاً المصلحة الوطنية لحفظ الوطن، ليصبح مفهوم الكليات السبع.

تعلو المصلحة الوطنية الكلية على جميع المصالح، إذ تُعنى بتحقيق المنفعة العامة وتجنب المفاسد التي تؤثر سلباً على وحدة الوطن ومصلحة شعبه، لذا من الواجب المحافظة على وحدة الصف واجتماع الكلمة، وضمان بقاء الوطن آمناً مستقرًا، مما يستدعي التضحية بالغالي والنفيس، بما فيها الأرواح والأموال.

في سبيل الوطن، يجب نبذ الفتن ومسببات الفرقة، والتخلي عن المكاسب الشخصية، والابتعاد عن التشبث بالمناصب، مستلهمين بذلك موقف الحسن بن علي، رضي الله عنه، الذي قدّم مصلحة الأمة على مصالحه الخاصة. فالاقتتال الداخلي يُفضي إلى فقدان الوطن هيبته ويبدد موارده، ويشجع على التدخلات الأجنبية التي تسعى لتحقيق مصالحها على حساب شعبه.

الحرب الأهلية في السودان واقعٌ مؤلمٌ أدى إلى إراقة دماء آلاف الأبرياء، وضياع الأمن، وتدمير البنية التحتية، وتشريد الشعب، وتحطيم نسيجه الاجتماعي. هذه الحالة المعقدة التي يمر بها السودان تنطوي على كثير من الغموض، ولا سيما أن الشعب السوداني هو من يدفع ثمن هذه الحرب الباهظة.

إقرأ أيضاً: لبنان الجريح: وفاق وطني جديد

تُعد المملكة العربية السعودية من أبرز الدول التي تبذل جهودًا كبيرة لإحلال السلام في السودان، فهي تؤدي دوراً بارزاً في الوساطة بين الأطراف السودانية المتنازعة، من أجل إيقاف الحرب وإعادة السلام والاستقرار إلى البلاد.

ما يحدث في السودان فتنة حقيقية، وليس حرباً تقليدية، فالاقتتال بين الإخوة لا يُفضي إلى نصرٍ لأي طرف، ويُعد النزاع أساساً للفتنة، التي هي أشد من القتل. ورغم أن السودان يتمتع بموارد طبيعية ضخمة، إلا أن الأجدى بالأطراف المتنازعة تفضيل المصلحة الوطنية العليا، والتحلي بشجاعة القرار، وإعلاء لغة العقل والحكمة، وإنهاء الصراع، وعودة الجيش وقوات الدعم السريع إلى الثكنات، وفسح المجال أمام العمل الوطني المدني.

إقرأ أيضاً: الرئيس دونالد ترامب.. من المحكمة إلى البيت الأبيض

إنَّ استمرار هذه الحرب يُنذر بتحوّل السودان إلى دولة فاشلة، قد تسيطر عليها جماعات مسلحة لا ترغب في إنهاء النزاع، ويمتد تهديدها إلى دول الجوار، مثلما شهدناه في الصومال وسوريا ولبنان وأفغانستان وليبيا واليمن والعراق.

يقرأون الآن